الرياض- خاص بـ«الجزيرة»:
مع التوسع في استخدام وتنوع وسائل التواصل الاجتماعي كَثُر المفتون والمنظِّرون في شتى مناحي الحياة، ومنهم من يطلق عليهم المشاهير الذي يروج بعضهم للغث دون ضوابط حيث يتم تقديم الاستشارات للناس عبر هذه المواقع من غير المتخصصين، أو من غير المصادر المرخصة، وهو غير مقبول نظامًا.!، والأخطر منه حينما يتناقل السذج هذه الرسائل، وكأنها حقائق مسلّم بها، أو صادرة عن مراكز بحثية متخصصة، ويقومون بالتسويق للغث وللنطيحة والمتردية ولبائعي الأوهام.
«الجزيرة» طرحت التساؤلات حول ما يجري في الميدان، وأهمية توعية هؤلاء حفاظاً عليهم، وحماية للمجتمع من تلك التصرفات السيئة والسلوكيات المشينة، وذلك من خلال الالتقاء باثنين من المتخصصين في العلوم الشرعية، والمهتمين في الشأن الاجتماعي والأسري، وكانت رؤاهم على النحو التالي:
محبة الغرائب
يعتقد الدكتور عمر بن إبراهيم المحيميد الأستاذ المشارك بجامعة القصيم، أن السبب في انتشار المعلومات المغلوطة وإشاعة الجهل بعد إمعان النظر راجع إلى جهتين: المتخصصين، ومجموع الناس، والجميع مشترك -بشكل أو بآخر- في انتشار ونشر الشائعات والأكاذيب الباطلة.
- المُتخصص مُقصِّر في بذل الفائدة، وأيضاً مقصر في البحث عن أساليب جديدة مبتكرة تجعل المتلقي من أفراد المجتمع يصدقها ويمتثلها، بل يتبناها، ويدافع عنها؛ فأفراد المجتمع إن لم يأخذوا المعلومة من المتخصص سيأخذوها من غيره ولا شك، الإناء الفارغ سيمتلئ بأي شيء.
علما بأننا -وبحمد الله- بدأنا في الآونة الأخيرة نرى من يحاول أن ينشر الفائدة بشكل مجاني وبطرق جيدة، وذلك في وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة وعلى رأسهم الأطباء، ومثلهم المهندسون والمتخصصون في الشريعة، وهذا عمل رائع يشكرون عليه ويؤجرون.
القسم الثاني: أفراد المجتمع، يُساهمون بنشر الشائعات -كثير من المرات عن حسن نية وابتغاء النفع للآخرين-، وذلك لأن طبائعهم قد تُحبذ الغرائب، وتحبذ الشيء الجديد غير المألوف، وتحبذ الأشياء التي توافق هواهم وتدغدغ مشاعرهم، وبنفس الوقت نحمد الله؛ أنه بدأ الوعي ينتشر، لكنه ما زال على استحياء، وأسهم المتخصصون في ذلك -كما أسلفت آنفا.
وأضاف الدكتور عمر المحيميد: أن الأنظمة الصارمة الجديدة في هذه الدولة المباركة -أدام الله ظلالها الوارفة- أسهمت بشكل فعَّال في تثقيف الناس والحد من الشائعات، وباختصار علينا لنرتقي:
- أن يحل العالم محل الجاهل المتعالم في كل الميادين، وبكل الطرق المشروعة الجديدة والعصرية.
- عدم نشر أي معلومة إلا بعد التأكد من مصدرها ولو كان ظاهرها النصيحة وحب النفع.
- الإبلاغ عن المعلومات المغلوطة ومروجيها والمساهمة في تطبيق النظام بحق ناشرها.
الشهرة والماديات
ويقول الدكتور محمد بن إبراهيم الرومي أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة الملك سعود بالرياض سابقاً: مع اتساع الشرائح المجتمعية التي تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي وارتفاع مستويات الاعتماد عليها، أصبحنا نسمع ونقرأ ونشاهد من يفتي ويقدم النصح دون أن يملك مقوماتها، وبعض هذه الفتاوى والنصائح قد تكون ضارة وخطيرة وخاطئة تماماً، وثمة مخاطر أخرى مما يدار الآن في المجالس الحديث عمن يطلق عليهم المشهورين أو أقول من يبحث عن الشهرة بأي طريقة كانت خاصة في قنوات التواصل الاجتماعي بشتى مجالاته مهما كان فيتكلم من شاء فيما شاء ناهيك عن تغرير الناس بأشياء لا أساس لها من الصحة فكثير من يحرص على الشهرة، والبحث عن الماديات، وقد كان كثير من السلف يحذرون من الشهرة يقول ثابت البناني قال لي محمد بن سيرين وهو تابعي رضي الله عنه وهو يعمل عند خادم الرسول الله صلى الله عليه وسلم أنس بن مالك رضي الله، ومع ذلك يقول ابن سيرين «لم يكن يمنعني من مجالستكم إلا مخافة الشهرة» تهذيب الحلية، وقال الفضيل بن عياض رضي الله عنه وهو تابعي أيضاً «من أحب أن يُذكر لم يُذكر، ومن سره أن يُذكر ذُكر»، وقال بشر بن الحارث رحمه الله «لا أعلم رجلاً أحب أن يعرف إلا ذهب دينه فافتضح، وقال ما اتقى الله من أحب الشهرة»، وقال بشر «لا يجد حلاوة الآخرة يا رجل يحب أن يعرفه الناس» تهذيب الحلية.
وكان العلماء إذا علموا عملوا فإذا عملوا شغلوا فإذا شغلوا فُقدوا فإذا فُقدوا طلبوا وإذا طلبوا هربوا» وقال الإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله: قال لي سفيان: «إياك والشهرة فما أتيت أحد إلا وقد نهاني عن الشهرة» كتاب تهذيب الحلية.
وعن إبراهيم النخعي والحسن رحمهم الله قالا «كفى بالمرء شرًا أن يشار إليه بالأصابع في دين أو دنيا إلا من عصم الله».
التقوى ها هنا يومئ إلى صدره ثلاث مرات، وكان أبو هريرة رضي الله عنه يقول: «لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (البقرة: آية 159)». فلا تحرص على الشهرة في دين أو دنيا فإن الله هو المطلع على القلوب وهو سبحانه الذي يعلم ما تخفي الصدور فإياك والتخبيب بين الناس والأزواج وإياك أن تغش الناس في دعاية كاذبة أو المبالغ جدا بها، وفي الحديث الصحيح «من غشنا ليس منا».
وما نراه أو نسمعه أو نتداوله لكثير من المشهورين بالتواصل الاجتماعي من خداع أو غش أو تخبيب أو ضرب الناس بعضهم ببعض لا ينبغي أن يكون، وهو مخالف للأنظمة التي وضعتها الدولة، وليس بصالحهم في دنياهم ودينهم وحريّ بالمشهور أن يكون عوناً بالخير والتأليف بين الناس والأزواج والأسر وأن يكونوا معول بناء لوطنهم ودولتهم ودينهم ويتكاتفون بذلك، وهذا ما حث عليه ربنا بكتابه ونبيه بسنته وفق الله الجميع لذلك.