خالد بن حمد المالك
منذ قرار أوبك بلس بتخفيض إنتاجها من النفط بمقدار مليوني برميل يومياً، ورفض المنظمة تأجيل سريان القرار لمدة شهر ليتوافق مع الانتخابات الأمريكية النصفية، وعدم القبول بأي إملاءات أو ضغوط أمريكية لتسييس القرار، والتأكيد على اقتصاديته، وبما يتماشى مع العرض والطلب في سوق النفط، منذ صدور هذا القرار الذي تبنته 23 دولة في تحالف أوبك بلس، والإدارة الأمريكية لا تتوقف عن إلقاء التهم والادعاءات غير الصحيحة على المملكة دون غيرها من الأعضاء، وتحميلها مسؤولية هذا القرار، وأنه قصد منه الاصطفاف مع روسيا ضد أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية في الحرب الروسية- الأوكرانية.
**
ومع أن هذا التفسير الأمريكي الخاطئ للقرار، والذي يأتي امتداداً لمواقف أمريكية سلبية سابقة للولايات المتحدة من المملكة منذ تسلم الرئيس جو بايدن رئاسة أمريكا، فإن عوار المواقف الأمريكية تكشفه الحقائق، وتعريه الأحداث، وتفضحه المواقف السعودية القائمة على الصدق والوضوح والمبادئ التي عرفت بها، دون مزيد من العناء في البحث عما يكذب التهم التي يتسارع البعض في كيلها دون سند، أو مبرر مقنع، ودون احترام لاستقلالية قرار الدول حتى وإن تعارضت مع المصالح الضيقة للولايات المتحدة الأمريكية، طالما أنها تصب في مصالح الجميع كما هو قرار أوبك بلس الذي لصوت المملكة ورؤيتها لدى بقية الأعضاء كل الاحترام .
**
ولكي لا نذهب بعيداً، تذكروا أن ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان كان قد استخدم علاقاته المميزة بالرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي بتوسط سموه للإفراج عن عشرة سجناء لدى أوكرانيا ينتمون لعدد من الدول، ونجح سموه في وساطته، فكيف يستقيم ذلك مع اتهامات الولايات المتحدة الأمريكية للمملكة العربية السعودية بأنها في موقع الاصطفاف مع روسيا في حربها مع أوكرانيا، إلا أن يكون هذا الموقف الأمريكي السلبي غير المبرر من المملكة له خلفية أخرى وعلاقة بالانتخابات الأمريكية بدليل الطلب من المملكة إرجاء تطبيق القرار لمدة شهر وهي الفترة التي تسبق الانتخابات الأمريكية، وهو ما يعني تسييس القرار، وتفريغه من أهدافه في ضبط سوق النفط، والحيلولة دون ظهور أي تقلبات أو اضطراب بالسوق، والسيطرة على السعر بما يخدم المستهلكين والمنتجين، وقد نجح القرار في ذلك، ولم تشهد السوق ارتفاعاً بالأسعار كما تدعي واشنطن وتتحجج به، بينما كان لموقفها -كما هو واضح- بُعْدٌ سياسيٌّ لا يغيب عن أي متابع.
**
وأكثر من ذلك، فقد وقفت المملكة لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، في احترام استقلالية الدول، ورفض المساس بسيادة الدول على أراضيها، ما يظهر أن موقف الرياض خلاف ما تدعيه واشنطن من أنها تساعد روسيا في حربها في أوكرانيا، وتصوير قرار أوبك بلس خارج إطاره الاقتصادي لغرض في نفس الإدارة الأمريكية، وخارج توازن العرض والطلب في الأسواق البترولية، مع علمها بأن التأجيل له تبعاته الاقتصادية السلبية، وانتهاءً بطمس الحقائق فيما يتعلق بموقف المملكة من الحرب في أوكرانيا، مع علمها بأن القرار تم من خلال التوافق الجماعي بين الدول الأعضاء.
**
وهل هناك ما هو أكثر إدانة للتصريحات الأمريكية غير الموزونة من اتصال سمو الأمير محمد بن سلمان بالرئيس فلاديمير زيلينسكي، وما عبّر به سموه من أن تصويت المملكة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح القرار كان نابعاً من دعمها للالتزام بالمبادئ الراسخة في ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وتأكيدها على احترام سيادة الدول، ومبادئ حسن الجوار، وحل النزاعات بالطرق السلمية، وتقدير الرئيس الأوكراني لاستعداد سموه الاستمرار في جهود الوساطة الهادفة إلى إيجاد حل للأزمة، وشكره على قرار القيادة السعودية بتقديم حزمة مساعدات إنسانية إضافية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، والتي تسهم في التخفيف من معاناة المواطنين الأوكرانيين في ظل الأزمة التي تمر بها البلاد.
**
لهذا فإن أي موقف أمريكي متسرع من العلاقات مع المملكة التي قامت منذ ثمانية عقود، لا يخدم أمريكا ولا المملكة، ويضر بمصالحهما وبالأمن والاستقرار في المنطقة، وأن على واشنطن أن تلتزم بالعلاقة الثنائية التي قامت مع الرياض على مرتكزات تخدم الدولتين الصديقتين، وعدم التفريط بحليف اقتصادي وتجاري واستثماري متميز هي المملكة، أياً كانت الدوافع السياسية التي بني عليها الموقف الأمريكي من قرار أوبك بلس بتخفيض إنتاجها من النفط.