د.عبدالله بن موسى الطاير
استمرأنا التواضع عقوداً من الزمن، ولما التقى الحزم والعزم بقيادة الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان أيدهما الله، اشرأبت أعناقنا إلى المجد، وطاولت هاماتنا عنان السماء. المملكة دولة قوية وقيادة حكيمة، ومنذ التأم شملها عام 1927م وهي تنمو وتزدهر وتتجاوز الأزمات واحدة تلو الأخرى وتخرج من كل أزمة أكثر صلابة.
عربياً، استقلت مصر عن بريطانيا عام 1922، غير أن البريطانيين مارسوا وصايتهم حتى قيام الثورة المصرية عام 1952م، وأعلنت بريطانيا العراق دولة مستقلة عام 1932م، واستقلت سوريا عن فرنسا عام 1946، والأردن عن بريطانيا عام 1946، وليبيا عام 1951م، والمغرب 1956م وهكذا تكون السعودية أول دولة عربية تولد ذات سيادة كاملة وتعيد الدولة المركزية إلى جزيرة العرب بعد خروجها من المدينة المنورة بنهاية الخلافة الراشدة.
دهاء الملك عبدالعزيز جمع له بين نفوذ الدين وقوة المال، ففي المملكة الحرمان الشريفان، وفيها ثاني أكبر احتياطي نفطي في العالم؛ ولم يكن البريطانيون والعثمانيون والفرنسيون آنذاك يتوقعون أن تبايع الحجاز الملك عبدالعزيز بتلك السرعة، كما لم تكن القوى الاستعمارية حينها تتوقع أن تتحول إلى بلد من أكبر المنتجين والمصدرين للنفط. بل إن الملك عبدالعزيز عندما عزم على التنقيب عن النفط رفض أن يضع يده في يد أي قوة استعمارية ورحب بالتعاون مع الأمريكيين باعتبارهم دولة ليس لها سابقة استعمارية.
المؤسس، بعبقريته، وحّد القلوب قبل توحيد المناطق، فلم يخرج من معركة واحدة يدعي النصر لنفسه وجيشه، وإنما يعزي النصر للمشروع الذي يقود تأسيسه. ومنذئذ اتبع أبناء الملك عبدالعزيز سبيل والدهم في بناء لحمة وطنية تكاد تكون فريدة في العالم، فالحب والولاء للقيادة والوطن منقطع النظير، وهو الذي تكسرت عليه كل المؤامرات التي استهدفت المملكة منذ بدء المد القومي العربي الذي سعى إلى إنهاء الممالك عن طريق العسكر والمنشقين من النخب الثورية، وصولا إلى الربيع العربي الذي حاول توظيف الجماهير للانقلاب على الأنظمة الحاكمة.
السعودية ليست دولة هشة، بل كيان راسخ تتجدد قوته بعد كل أزمة، فقد استهدفه المد القومي سنين عددا، بل وتعرضت مدنه الجنوبية للغارات الجوية، وشنت عليه حرب إعلامية وبرلمانية أمريكية عقب عام 1973م عندما أسهمت المملكة في حرب أكتوبر بالضغط على الدول الغربية لمنعها من تصدير السلاح لإسرائيل، وتصور البعض أن المملكة ستدفع ثمنا غاليا وربما وجوديا لذلك القرار الشجاع، بل وعملت دول على تشجيع الأمريكيين على معاقبة السعودية، ومع ذلك كانت حكمة القيادة السعودية بحيث استعادت بسرعة علاقاتها الاستراتيجية مع الأمريكيين والغرب عموما، وفي عام 1990م وعقب اجتياح القوات العراقية للكويت وتهديدها المملكة قيل وقيل، ونشرت الكتب والدوريات التي تتنبأ مستقبلا قاتما للمملكة، التي خرجت من الأزمة وقد حررت الكويت وسرعان ما استعادت عافيتها الاقتصادية.
وفي عصر الإرهاب والحروب بالوكالة خططت دول ومنظمات إرهابية لضرب السعودية بأمريكا عام 2001م، ولكن المخطط باء بالفشل، ويعود الفضل لله ثم لحكمة القيادة في إدارة ملف الأزمة، وكذا أريد لمقتل جمال خاشقجي رحمه الله أن يكون عقبة في وجه الرؤية السعودية، لكن المحاولة استقرت في قعر الفشل لتضاف إلى سابقاتها.
عام 2005م وقفت المملكة مع الولايات المتحدة الند للند، وكما جلس الملك عبدالعزيز إلى روزفلت عام 1945 الند للند، كانت قمة 2005 تجدد اتفاقية كوينسي لستين عاما أخرى، حيث أكدت الولايات المتحدة الأمريكية رسميا احترامها لنظام الحكم في المملكة، وخصوصية القيم والثقافة والتقاليد التي تمتاز بها، والتزمت بعدم التدخل في الشأن السعودي، بينما جددت المملكة احترامها للنظام الأمريكي وتعدديته ونهجه الديموقراطي.
تصطف بلادنا اليوم ضمن أكبر عشرين اقتصادا حول العالم، وتستضيف ثاني أكبر منظمة دولية بعد الأمم المتحدة، وهي منظمة التعاون الإسلامي، وتستضيف مقر مجلس التعاون لدول الخليج، ومقر مجلس الدول العربية والإفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، ومقر التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وتقود مبادرات محلية وإقليمية ودولية معتمدة على قدرات المكان كقبلة المسلمين ومبعث الرسالة ومقر الحرمين الشريفين، وعلى إمكانات الإنسان، وعلى كونها واحدة من أهم الدول النفطية انتاجا وتصديرا، والمسؤول الأول عن استقرار السوق النفطية بما يخدم المنتج والمستهلك.
لقد أسس الملك عبدالعزيز المملكة العربية السعودية دون أن يرهن مستقبلها لإرادة أحد، ولم يسمح لأي كان أن يملي عليه إرادته، وكذا فعل أبناؤه على مدى تسعة عقود. الملك سلمان اليوم لا يدير دولة بشؤونها اليومية الداخلية والخارجية فحسب، ولكنه ضخ في شرايينها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء ليطمئن الملك على مستقبل دولة مكينة عزيزة الجانب.