سهوب بغدادي
فيما جرت عليه العادة أن يتقدم الفارس المغوار لخطبة محبوبته في الأفلام والقصص الخيالية والروايات الرومانسية وفي الحياة بشكل عام، من ثم تجهش الفتاة بالبكاء بسبب الأحلام والآمال المعلّقة على هذا الحبيب لفترة طويلة، حيث رسمت في مخيلتها شكل حياتهما معاً وأسماء الأطفال، وتفاصيل التفاصيل الحالمة، بلا شك الصورة والتصور جميلان والأجمل أن يتوج مشوار الحب الممتد بالزواج الناجح، حيث تختلف التعاريف لماهية الزواج الناجح، وعلى الأقل بغض النظر عن المحصلة النهائية للمشروع أن يكون هناك زواج بالحلال على سنَّة الله ورسوله، حيث قال صلى الله على آله وسلم «لم يُرَ لِلْمُتَحابَّيْنِ مثلُ النكاحِ» رواه ابن ماجه، إن حق الفرد في الحب وإيجاده والزواج أمر لا جدال فيه، خاصةً مع رضا الطرفين، ومن هذا النطاق، نجد حالات ليست بكثيرة ولكن تحدث عندما تعرض الفتاة لخطبة الشاب، كما حدث مع أم المؤمنين السيدة خديجة عندما خطبت النبي عليه الصلاة والسلام، صحيح أننا لسنا في زمانهم ولسنا فيما كانوا عليه من أحوال وأخلاق وعبادة في شيء ولكن نتخذ من الهدي منهاجاً بقدر المستطاع، أعلم أن كلامي لا يزال مبهماً ودون سياق محدد، فالأمر الذي دفعني لطرح موضوع اليوم قضَّ مضجعي منذ شهدته الأسبوع الماضي، تحديدًا في آخر يوم من معرض الرياض الدولي للكتاب، فخلال أيام المعرض التقيت بأصدقاء كثر، من مختلف المجالات من الصحافة والإعلام ومن نادي الكتاب، ومن معهد الموسيقى، وأصدقائي من فئة الصم وضعاف السمع، فكل صديق له معزة خاصة في القلب إلا أصدقائي من الصم وضعاف السمع، فقلوبهم مرهقة وشفافة ونظيفة، وتربطني بهم مواقف وأيام جميلة، كانت أيامي في المعرض باهرة ومرحة إلى أن قابلت أحد الأصدقاء من ضعاف السمع صدفةً، فسعدت بلقائه حقيقة، وبدأت بسؤاله عن حاله، «كيف حالك فلان؟ وأشرت بلغة الإشارة إلى منطقة الصدر «مبسوط»؟ كنت أظن أن الإشارة المناسبة هنا حسبما تعلَّمت برفع الإبهام وتعني «جيد»، أو أية إشارة أخرى تدل على الحمد لله، ولكن ما حدث كان مغايرًا فما لبثت أن أسال إلا واغرورقت عيناه بالدموع وتحولت تلك العينان العسليتان إلى وعاء دامي، فقلت لماذا يا فلان لماذا؟ من هنا، بدأ بالحديث قائلاً منذ عامين أتت فتاة لمساعدتي في عملي، ولم يكن مهتماً سوى بالعمل فهو موظف مثالي حقًا ونابغ، من ثم تقرَّبت منه وأصبحت تراسله بشكل يومي، فتارة صباح الخير وتارة أخرى تصبحلى خير، إلى أن وقع في حب تلك الفتاة المهتمة اللطيفة المحبة للخير للغير، بعد فترة قام صديقنا بالتقدم لخطبة الفتاة، فبدأت بتغيير أسلوبها ونهجها، من ثم أقبلت ملامح التردد والتقهقر، والحيرة لا تفارقها لسبب ما لا يعلمه الشاب، فهو «أحب وتقدم للخطبة كما يفعل الرجال الأتقياء فقط لا غير» ولديه ما يؤهله لفتح بيت مستقر من تعليم عال ووظيفة مرموقة وعائلة مستقرة وراقية، فما الإشكال؟ ردت عليه الفتاة بأن إعاقته السمعية هي سبب ترددها وأنها لا تريد أطفالاً صماً أو ضعاف سمع، وطالبته بالقيام بتحليل جيني مختص لكشف التوافق بينهما واحتمالية حدوث الصمم وضعف السمع، ففعل ما طلبت، وأتت النتيجة التي تفيد باحتمالية ظهور ضعف السمع، فرفضت الفتاة رفضًا ليس قاطعًا! لا أعيب على الفتاة حبها للشخص فهو متميز جداً ولكن أعيب استمرارها في شيء تعلم نتيجته، لمَ نستمر مع شخص وآخذ من وقته وأيامه وعمره وأنا أعلم في قرارة نفسي أنني لن أتزوجه؟ قال لي الشاب مشيرًا إلى قلبه «انكسر» وأيامي صعبة منذ أن قالت لي بشكل عابر «ترا بتزوج بس ما بقولك متى»! هذا الشاب لم يفهم إلى الآن لماذا تتحدث معي وتجعلني أحبها وأبذل كل ما عندي لإرضائها من ثم تتزوج بآخر، هل أنا مجرد نزوة أو تسلية أو لست صالحًا للحب والزواج معاً؟ أخي صاحب القصة أنت الصالح وما حدث لك لا يخرج عن لهو وطيش لفتاة لم تع قداسة الحب والمشاعر، حتى طريقة الانفصال ليست واقعية «مجرد تطفيش»، فهي لا تستطيع أن تنفصل عنه صراحة لأنها تشفق عليه، ولا تعلم أنها تسببت بضرر بالغ أقوى من ضرر الانفصال، مثل هذه الحادثة وغيرها كثير في شتى مجالات الحياة ونطاقاتها، يجد أخوتنا ذوو الإعاقة باختلافها صعوبات وتحديات في الارتباط والزواج والعمل وكسب العيش وأمور كثيرة لا يسعني سردها كافة في مقال، وقد دعا مجلس الشورى مشكورًا خلال الأسبوع الماضي إلى تمكين ذوي الإعاقة من الوظائف الحكومية وغير الحكومية، كما عملت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية على عدد من الملفات والمزايا التي تصب في صالح فئة ذوي الإعاقة في المملكة العربية السعودية، وما زلنا بحاجة ملحة لإيجاد منصة أو وسيلة للتوعية بحقوق ذوي الإعاقة، والتوعية على وجه الخصوص بالنواحي الاجتماعية كالزواج وحقوق أطفالهم وتعليمهم والصحة وما إلى ذلك من الأمور. ختاماً، الحب يستحق منا أكثر من الاستمتاع فقط، فما كان في قصة الشاب ليس حبًا من طرفها،بل حبًا لفكرة الحب وليس الشخص، كيف علمت؟ لو أحبت هذا الشاب فعلاً لما فكرت مرتين في الارتباط وبناء حياة معه، كم أنا فخورة بك كأخ وشاب في مقتبل العمر، عصامي وشجاع واجه الغربة وتعلَّم لغة إشارة مختلفة غير لغة إشارته بهدف دراسة العلم المتقدم والنادر الذي حصل عليه بجدارة، كلي ثقة بأن الله سيعوّضك بالأجمل والأنفع والأفضل، وقلتها له في ذلك اليوم وأقولها هنا اليوم، بعد عام من الآن ستكون سعيداً وحياتك أجمل كلي يقين، كن بخير.