أ.د.عثمان بن صالح العامر
مر بنا السبت المنصرم أول أيام الأسبوع الماضي يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول، اليوم الذي شهد هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وميلاده كذلك، والميلاد مرتبط بشخص الرسول دون غيره، خلاف الهجرة التي اختارها عمر بن الخطاب لتكون هي الرزمانة التي نؤقت بها فهي حادثة جماعية لم تقتصر على نبي هذه الأمة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم بل أمر أتباع هذا الدين في مكة بالانتقال إلى موطنهم الجديد «المدينة المنورة»، وحين عقد المقارنة بين الحادثتين يمكن القول:
* إن الميلاد أمر من الرب «كن فيكون» فكان ، أما هجرة محمد صلى الله عليه وسلم فلم تكن كذلك مع أن الله قادر على أن ينقله في لحظة واحدة من بلده الذي هو فيه إلى طيبة الطيبة وما هذا الأمر أشد - في عرف البشر طبعاً- من حادثة الإسراء والمعراج التي حدثت له صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة بسنوات معدودة، ولكن الله أراد من هذا التكليف والعنت والمشقة والخوف والحذر والملاحقة والتخفي والسرية و...التي ألمت برسول الله وصاحبه الصديق رضي الله عنه، بل من خلفه المهاجرين جميعاً، أن يعطي دروساً عظيمة تبقى حتى قيام الساعة، أهمها عندي:
* معية الله ونصره وتأييده لما أنت عليه لا يستلزم تحقق ما أمرك به دون بذل جهد منك وتعرضك لمتاعب ومشاق ابتلاءً وامتحاناً بل ربما.
* محبتك للأتباع وقربك منهم وأنت قائدهم وجامعهم وموحد كلمتهم لا يستلزم معرفتهم تفاصيل ما أنت مقدم عليه خاصة حين الفتن والحروب وعند الضعف وفي حالة الهروب.
* تصحيح ما يظنه البعض أمراً مجزوماً به من عدم إعطاء المرأة سراً فها هي أسماء بنت أبي بكر الصديق ذات النطاقين تشارك في بعض تفاصيل أحداث الهجرة وتؤدي دوراً رئيساً يتوافق وطبيعتها وبنائها التكويني.
* الإيمان بالفكرة والاجتماع عليها، فالهجرة في مجملها هي تقديس للفكرة التي جاء بها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والتف حولها مع الاحتفاظ لحاملها عليه الصلاة والسلام بما منحه الله عز وجل من اصطفاء بالرسالة، ولكن كما قال هو عن نفسه مع أنه خير من وطئ الأرض «لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد الله ورسوله» ولذلك لا يقدس المسلم الأشخاص ولا ينزلهم منازل لم يشرعها الرب سبحانه، ولا يربط المسلمون مناسبات الفرح في دنياهم ومستقبل حياتهم وقادم أيامهم بهم، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع حداً فاصلاً بين حركة الكون السننية وموت فلذة كبده إبراهيم رضي الله عنه مؤصلاً لما هو أدنى، ومعمقاً عند الأتباع عدم التعلق بالأشخاص، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
* الصداقة الحقيقية تعني التضحية الفعلية والصبر عند الشدائد وبذل الغالي والرخيص في سبيل تهيئة السبل لنجاح من اصطفاك لصحبته من بين كل من حوله.
* استشعار معية الله أمر عظيم يستقر في القلب فيُطَمْئِنُ النفس ويهوّن المصاعب ويثبت الأقدام ويعلي الهمة ويوقد العزائم.
* حقيقة التوكل على الله لا تغني عن أخذ الحيطة والحذر وبذل الأسباب المتاحة من أجل الوصول إلى الهدف وتحقيق المطلوب ولا يعني هذا أن الغاية تبرر الوسيلة في الإسلام، ولكن هنا تشريع في باب الوسائل غفل عنه البعض مع دقة مسلكه وشدة أهميته، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.