فضل بن سعد البوعينين
أحدث بيان وزارة الخارجية الذي ردّت من خلاله على اتهامات أمريكية وُجِّهَتْ للمملكة بعد قرار مجموعة أوبك+ تقليص إنتاجها بمعدل مليوني برميل يوميًّا، صدمة غير متوقعة للإدارة الأمريكية، وأعاد توجيه بوصلة الاتهامات لها بعد أن حاولت تجييش العالم ضد السعودية على خلفية اتهامها بالوقوف إلى جانب روسيا.
رَدَّ البيان السعودي بدبلوماسية عميقة ومؤثرة، على ادعاءات ومغالطات الإدارة الأمريكية وشدد على أن المملكة لا تقبل الإملاءات، وترفض التصريحات المضللة، والمساعي التي تهدف لتحوير جهودها السامية التي تستهدف حماية الاقتصاد العالمي من تقلبات الأسواق النفطية، ومحاولة تصوير قرار أوبك بلس خارج إطاره الاقتصادي البحت، وهو القرار الذي اتخذ بإجماع الدول الأعضاء.
سمو ولي العهد، رئيس مجلس الوزراء، الأمير محمد بن سلمان، نقض تهمة تسيس النفط والاصطفاف مع روسيا، بمحادثة هاتفية مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وبما قدمته المملكة من دعم سياسي، ومساعدات إنسانية سخية. الرئيس الأوكراني وجّه الشكر لسمو ولي العهد على دعم وحدة الأراضي الأوكرانية خلال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعلى تقديم حزمة مساعدات إنسانية إضافية لأوكرانيا بمبلغ 400 مليون دولار، وهو رد ينقض الاتهامات الأمريكية المختلقة.
شدد البيان على أهمية الحوار وتبادل وجهات النظر مع الحلفاء والشركاء من خارج مجموعة أوبك بلس، وأشار إلى تشاور حكومة المملكة المستمر مع الإدارة الأمريكية، وإبلاغها بأن «جميع التحليلات الاقتصادية تشير إلى أن تأجيل اتخاذ القرار لمدة شهر حسب ما تم اقتراحه سيكون له تبعات اقتصادية سلبية».
يبدو أن جزئية رفض المملكة المقترح الأمريكي بتأجيل قرار خفض الإنتاج لشهر والتي وردت في البيان، أحدثت ردود أفعال واسعة، وتداعيات مؤثرة على الإدارة الأمريكية، التي اتُهِمَت بأن اهتمامها الأكبر كان منصبًّا على الانتخابات البرلمانية، بمعزل عن مصالح الشعب الأمريكي.
السيناتور توم كوتون، قال في مقابلة مع قناة فوكس الأمريكية: «الديمقراطيون سيفعلون أي شيء للحيلولة دون ارتفاع أسعار الوقود قبل الانتخابات، ولكن تذكروا هو لم يطلب من السعوديين ألا يقلصوا الإنتاج، بل طلب منهم فقط الانتظار لمدة شهر إلى ما بعد الانتخابات، لأن سياسة بايدن الرسمية في الحملة الانتخابية ومنذ توليه الرئاسة هي القيام بكل ما بوسعه للإضرار بإنتاج الوقود الأحفوري هنا (بأمريكا) وحول العالم..»
الأصداء الواسعة للبيان السعودي وضعت الإدارة الأمريكية في موضع الدفاع لا الهجوم، فحاولت التشكيك في مضمون البيان، من خلال البيت الأبيض ومنظومته الإعلامية. منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي، ذكر في بيان له أن «دولاً أخرى من أوبك تواصلت معنا بشكل خاص وقالت إنها اختلفت مع القرار السعودي، لكنها دعمت توجه الرياض مكرهة»، وهو ادعاء غير صحيح، فالخلاف إذا ما حدث بين الأعضاء فسيكون معلنًا، وهو مالم يحدث في اجتماع أوبك + الأخير. وقد حدثت خلافات، في فترات سابقة، حول حصص الإنتاج من قبل الكويت، الإمارات، روسيا وبعض الدول الأخرى، وكانت معلنة للجميع وتناولتها وكالات الأنباء في حينه. كما أن وكالات الأنباء والقنوات العالمية التي غطت المؤتمر الصحفي نقلت الإنسجام والاتفاق التام بين أعضاء أوبك+ وتصريحاتهم المؤيدة للقرار على الهواء مباشرة. إضافة إلى ذلك فاتهامات «كيربي» المزعومة لم تجد من يؤكدها من أعضاء أوبك+، بل على العكس من ذلك أكد عدد من الدول الأعضاء، ومنها الإمارات، العراق، الجزائر، عُمان، الكويت، والبحرين على قرار أوبك+ خفض الإنتاج بواقع مليوني برميل يوميًّا، وأهميته لتحقيق توازن السوق، وذلك ردًّا على ما قالته الولايات المتحدة.
نجحت المملكة في قيادة أوبك+ لاتخاذ قرارٍ إستباقيٍّ لمواجهة المتغيرات الاقتصادية، والركود العالمي، وانخفاض الطلب على النفط، وتحقيق توازن السوق، وحماية الصناعة النفطية والاقتصاد العالمي من التداعيات المستقبلية الحادة، كما نجحت في تقديم وجهة نظرها بشفافية للعالم أجمع والرد بدبلوماسية عميقة على الاتهامات الأمريكية، ما تسبب في خسائر فادحة ومؤثرة على الإدارة الأمريكية.
تناغم تام بين سمو وزير الطاقة الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وسمو وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان، ومعالي وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير، في مواجهة الاتهامات الأمريكية بذكاء واحترافية، وظهور لافت على شاشات القنوات الأمريكية، وتبادل أدوار ممنهج لإيصال وجهة النظر السعودية بشفافية مطلقة، ودبلوماسية عالية، ومؤثرة في المتلقين. الوزير عادل الجبير أشار في تصريحاته إلى أسباب ارتفاع أسعار الوقود في أمريكا بقوله: «مع كامل احترامي ارتفاع أسعار الوقود لديكم سببه النقص في مصافي النفط منذ 20 عاماً». وهذه هي الحقيقة المغيبة التي تسعى الإدارة الأمريكية لإخفائها، وتحميل السعودية مسؤوليتها المباشرة.
يبدو أن الإدارة الأمريكية لم تستوعب التحول النوعي الذي أحدثه سمو ولي العهد في علاقات المملكة الخارجية وسياساتها عمومًا، وتقديم المصالح الوطنية على ما سواها، والتعامل مع الدول الكبرى وفق مبدأ المصلحة والاحترام المتبادل باستقلالية تامة لا تسمح بالتدخلات أو الإملاءات، ما دفعها للمغامرة بإطلاق اتهامات مختلقة ارتدت سلبًا عليها، فأصبحت كمن يطلق النار على قدمه، وهذا بفضل الله ثم بوجود القيادة الحكيمة التي نجحت في تحقيق أهداف المملكة وحماية مصالحها ومواجهة العالم بشفافية مطلقة، وتحركات ضامنة لاستقرار الأسواق والاقتصاد العالمي.