عبد الله سليمان الطليان
بروح التعصب الديني والكره للعرب في الأندلس الذين بنوا حضارة ما زالت آثارها إلى اليوم شاهدة على ما عرفه العرب من رقي حضاري، كانت سببا في تقدم الغرب، نجد هناك من يحاول التقليل أو الحط من قيمة هذا الرقي الحضاري من بعض المستشرقين والكتاب الإسبان الذين حاولوا بشتى الطرق تشويهه بأدلة كاذبة وملفقة، سوف نلقي الضوء على واحد منهم الذي كان يحتقر العرب وإنجازاتهم في الأندلس، إنه المستشرق الإسباني فرانشيسكو خافيير سيمونيت، حيث كان له كتب وأبحاث كلها تصب في نسب هذا الرقي إلى أهل البلاد الأصليين من الإسبان النصارى، حاول من خلال لها الوصول إلى نتيجة مفادها أن العرب لم يدخلوا الحضارة إلى شبه الجزيرة بل إنه - على العكس - كان ازدهار إسبانيا العربية يعود أساسا إلى العنصر الإسباني الذي منح القادمين الجدد صفاته الفكرية وأمدهم بتراثه الفني والأدبي والعلمي، وإن الحضارة العربية لم تقدم شيئا ذا قيمة تقريبا إلى ثقافة إسبانيا، وإن الشيء الإيجابي في الحضارة العربية هو فقط ما أخذه المسلمون من مسيحيي شبه جزيرة إيبريا عندما وصلوا إليها.
قام سيمونيت بتلخيص مختلف جوانب النشاط الإنساني التي تفوق فيها العنصر العربي، لا لكي يمتدح العنصر العربي ويقر بتفوقه، بل لكي يدحض ذلك الرأي. يقول إن العرب - في الزراعة مثلا- أخذوا كل شيء عن أولئك الذين كانوا يزرعون الأراضي من قبل وقد تركوهم يزرعونها مقابل دفع ضريبة معينة. كانت هذه النظرية خاطئة؛ وبالتالي فقد بذل سيمونيت جهدا كبيرا لإثباتها؛ إذ من المعلوم أن العرب كانوا يثيرون الإعجاب بسبب الحدائق وبسبب استزراع أراض لم تكن تزرع بشكل جيد قبل مجيئهم.
ويواصل الحديث عن العمارة فيقول إن العرب استعانوا بمعماريين من نصارى الإسبان حتى لتشييد مسجد قرطبة، ويقول إن الدراسات الفلكية قد بدأها نصارى الإسبان، وإن الفلسفة - وهي علم يمتنع على العرب - يعزى تقدمها في الأندلس إلى الإسبان الأصليين، هذا ما حدث أيضا بالنسبة للطب والتاريخ الطبيعي، بذكر سيمونيت قائمة طويلة من الأطباء والفلاسفة والمؤرخين ذوي الأصل الإسباني، ويتجاهل عمداً أسماء ليست قوطية الأصل.
يقر سيمونيت بأن سكان إسبانيا قد أسلموا بسرعة، لكنه يصر على أنه لولاهم لما تميز العرب في علوم كالطب والفلسفة والتاريخ وما شابهها. يعترف بأن العرب تميزوا في الشعر وفي العلوم الدينية، ولكنه يقلل من أهمية هذه الجوانب.
ولم يكن العرب أفضل من المسيحيين من حيث الأخلاق والعلم والصناعة، بل إن المسيحيين كانوا هم الممثلين الوحيدين للحضارة في ذلك العصر. ويرى سيمونيت أن هذا المستوى الحضاري الراقي - الذي يعترف بوجوده - يعزي فقط إلى الإسبان المسيحيين الذين كانوا يسكنون شبه جزيرة أيبيريا عند وصول العرب، لقد ساهم السكان الإسبان بشكل فعال - نظرا لملكاتهم الفكرية ولقدراتهم الجسدية - في إثراء حضارة العرب والبرير الذين قدموا إلى إسبانيا، يقول سيمونيت إن العرب والبربر كانوا أقل عدداً وقد استسلموا بشكل كامل التأثير الإسبان ولم يمنع اختفاؤهم تماما إلا الأفواج المتتابعة التي دخلت إسبانيا قادمة من إفريقية اعتبارا من القرن العاشر.
لقد جاء منصف هو موديستو لافوينتي ناقدًا ومؤرخًا إسبانيًا، لكي يقول الحقيقة، ويدحض هذا التشويه حيث قال في حفل استقباله بأكاديمية التاريخ الملكية في 23 يناير 1853، بعد أن دافع دفاعاً بليغاً ومبالغاً فيه عن خلافة قرطبة وعن أهمية الثقافة العربية في إسبانيا: أيها السادة، لقد قدم مؤرخونا عبر القرون هذا الشعب على أنه شعب همج? وفظ وغير متحضر، ناظرين إليه من وجهة نظر دينية بحتة، وهي فكرة تغفرها الغيرة الدينية التي أوحت بها، والتي تأصلت في شعبنا على مدار السنين، إلى أن جاء بعض المستشرقين الذين ينتمون إلى هذه الأكاديمية وكشفوا كنوز الأدب العربي التي كانت ترقد مجهولة فيما بيننا، وأشاعوا الضوء وعرفونا كيف كان هؤلاء الشرقيون الذين تسيدونا».