تركي بن رشود الشثري
يقول نابليون هيل «هناك صفة واحدة يجب توكيدها من أجل الفوز وهي تحديد الهدف ومعرفة ما نريده والرغبة الملحة لإنجازه».
الأهداف والحديث عنها باب يطول وفيها مئات بل آلاف الكتب والدورات والمواد المسموعة والمرئية، ولكن لا تهتم لكل هذا الركام الذي يؤكد على تحديد الأهداف، إنه يدور حول فلك واحد ألا وهو: «إنك لن تستطيع أن تنجح حتى تنظم وقتك، ولن تنظم وقتك حتى تحدد أهدافك، ولن تحدد أهدافك حتى تكتبها، و3 في المائة فقط من الناس هم الذي يدونون أهدافهم، وبالتالي يحصدون من الإنجازات ما يفوق غيرهم بخمس أو عشر مرات»، ولا تكاد أن تتجاوز فلسفة الأهداف هذه البوتقة، وكثير ممن التحق بهذه الدورات، أو قرأ الكتب المترجمة، أو قضى الأوقات في الاستماع لمواد اليوتيوب لم ينجح كما يريد ليس لأنه لم ينظم وقته، أو لأنه لم يحدد أهدافه، أو لأنه لم يكتبها، بل لسبب واحد فقط ألا وهو أنه مشوش ذهنياً وعاطفياً وغير متوازن، ففكرته لم تلتمع بداخل عقله بعد، وليست بالوضوح الكافي، إنه وبمجرد ما تتحقق المعجزة وينير مصباح المخ على رسالتك في الحياة إلا وأتت على جميع أعمالك وأوقاتك لتنتظمها في سلك واحد يزيدك يوماً بعد يوم قوة ومتانة وتوزاناً وشغفاً وحضوراً وخبرة بل ومرجعية في هذا التخصص الذي اختمر لحد اليقين الجازم بأنه مهمتك على هذه الأرض، وأن كل الوقت معك، سواء نُظِّم بصورة تقليدية أم بغيرها، إلا أن إلحاح هذه الفكرة النيِّرة نظَّم كل مدخلاتك من معلومات وأفكار وأساليب وعلاقات ومعطيات وأموال إلى مخرجات مسبوكة على طابعك أنت وعليها بصمتك الباقية.
إن بزوغ القيم الأصلية في حياتك واكتشافك من أنت ومن تكون وماذا تريد يعبر التعبير الدقيق عن جوهرك وماهيتك المتفردة، وهذا بلا أدنى شك يختصر عليك الكثير ويكشف لك مواطئ القدم.
وعلى ذلك لا تجد من يعيش هذه الحالة إلا وهو يضيف كل ما يعترض طريقه إلى مخزونه بانسياب فيما يعرف بـ»تراكم النجاح» أو «قانون التراكم»، ولا يمكن أن يتوقف أمثال هذا عن حصد المنجزات بالانصياع لأهواء النفس وما تتطلبه من اللهو الفارغ ذي الطبيعة الملحاحة لأنه ببسطة لا يصب في إطار المصلحة العامة لهذه المعطيات التي ملأت عليه حياته، وتأكد مع طول المراس أن أي التفات لما يفت في عضد هذا المشروع معناه الرجوع للمربعات الأولى حيث التعب والشكوك والخيارات المبعثرة، يقول وينس وتيلي: «الناس الفاشلون يفعلون ما يريح أعصابهم بينما يقوم الناجحون بإنجاز أهدافهم»، ومما قيل ويحسن إيراده: (الأهداف تبدأ تكوين السلوكيات، والنتائج تحافظ على هذه السلوكيات) والنجاح يتطلب قدراً كبيراً من الانضباط)، والانضباط هنا لا يقصد به التضييق على النفس بل السمو بالنفس الراغبة في هذا الرقي وهذا النضج لأنها النفس المجرِّبة، النفس التي تستمتع بتأجيل المتع كي تستلذ بها بشكل أكبر وبلا ضمير وخَّاز.
ولكن لماذا يتعثر كثير من الناس ولا يتمكنون من الانضباط المفيد في باب تنظيم الأوقات وتحديد الأهداف، والجواب: أن هناك أسباباً من أهمها: الرحلة الزمنية لتشكل الطبع لدينا، وغفلتنا عن هذه الرحلة أو جهلنا بها، وانصرافنا الكلي عن تحسين الحال أو أقل تقدير محاولاتنا المستمرة لتغيير عادات ثانوية لا يلبث أن تعود مجدداً أخرى فنقع في الأخطاء نفسها، والعلاقات المدمرة نفسها، والسلوكيات المهلكة نفسها مرة بعد أخرى، لماذا: لأن هذه السجية قد ترسخت فينا بشكل عميق وصاغت شخصية الواحد منا منذ زمن بعيد فصار من المتعذر الوصول إلى الطبيعة السوية بتكتيكات قشورية لا تصمد أمام طبعنا العتيد، فالعادات لا تتغير عن طريق النوايا الحسنة أو الاكتفاء بتحديد الأهداف على أهميته، بل لا بد من تعلم طرائق تغيير العادات.
إن من أولى مراحل تشكل الطبع: تركيبة دماغ كل واحد منا فهي تختلف عن غيره، ونتعرف عليها من خلال أمزجتنا المتنوعة من حب للعزلة أو التواصل من السلبية أو الإيجابية، من الانقباض أو الإقبال على الحياة وهكذا، يلي ذلك علاقة المرء بأمه منذ لحظات التعرف الأولى، ففي السنوات الأولى نعيش حالة عاطفية تكاد تكون محضة، فنفهم المشاعر، ونرسل المشاعر، وننتظر المشاعر، ونقرأ تعابير الوجه باهتمام فائق، وتكون أدمغتنا لينة وقابلة للتشكيل أكثر، ومن أجل ذلك فتعابير وجه الأم وعنايتها وجميع ما يصدر منها يحدد نوع العلاقة لاحقا، وكذلك يسهم بشكل فاعل في تصوير طباعنا، فهناك الأم مفرطة العناية، والأم التي تعطي مساحة من الاستقلال، والأم المهملة، والأم المشغولة، والأم المضطربة والتي تفيض بالحب والحنان لتقطعه فجأة بدون سبب مفهوم للابن وإنما هي مشكلات خاصة بها، فينشأ الابن متردداً في المجتمع يُقبل ثم يدبر، يهتم بالشأن العام ثم لا يبالي وعليه قس، وبعد ذلك لا تسأل عن الاعتماد على المربيات ليتدخل في عملية تشكيل الطبع ومنذ الوهلة الأولى شخص أجنبي وبخلفية ثقافية وبيئية غريبة عن هذا الطفل وليس جزءاً منه كالأم، يلي ذلك مع تقدمنا في العمر تسهم التجارب والتعامل مع الناس (المعلمين والأصدقاء والبيئات) في مسار طباعنا وذلك بتخفيفها أو استثارتها، وبناء عليه إذا أردت أن تكون سمحاً ومنفتحاً، وصامداً للشدائد، وتملك روح الفريق، وتشعر بالآخرين، وتعطي الحب وتستقبله بشكل سوي فعليك أن تقرأ جيداً الرحلة الزمنية لتشكل طبعك لتحاول التخفيف من الآثار السلبية على مزاجك، ولكن لا تطمع في قطعها تماماً، إلا أن يصطفيك الله ويفتح لك، فما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها.
وبعد ذلك لا بد لك من التأكد من أهدافك هي بالفعل ملك لك وليست خيالات أسقطها عليك المجتمع وانتظرها منك فصدَّقت أن ما يطلبه منك معلموك أو أصدقاؤك أنه بالفعل هدف لك، إن التأمل في الرحلة الزمنية لتشكل طبعك وتأثرك بالبيئة المحيطة والأشخاص المؤثرين خير معين على تحديد الأهداف التي تخصك والأهداف التي تم فرضها عليك أو الإيحاء بها لك فنفذت لعقلك بشكل عميق في غفلة من عمر الزمن، أضف إلى ذلك ضرورة وضوح الأهداف في ذهنك قبل كتابتها على الورق، إن مهمة التبصر في الأهداف واستيضاحها مهمة شاقة، جرِّب ذلك وحاول أن تصوغ ثلاثة أهداف بصدق وأنظر حجم المعاناة، فالمطلوب ليس أهدافا عامة عائمة من مثل أريد أن أكون غنياً أو قوياً أو سوياً، بل أريد أن أحقق الرقم الفلاني في المال، والرقم الفلاني في الوزن، واكتسب المهارة الفلانية في غضون شهر، سنة، أقل، أكثر، ويكون ذلك تقريبياً بلا ريب ولكن قابلاً للقياس، أطلنا هنا لأهمية هذه المعلومة في تحقيق الأهداف.