الثقافية - حاوره مسعدة اليامي:
كان يقتطع جزءاً من مصروفه لشراء الصحف التي كانت تشغل تفكيره في ذلك الوقت وإلى اليوم, فقد دخل عالم الصحافة من بوابة العشق فهو لم يحجز مقعدةهفي بلاط صاحبة الجلالة من خلال التخصص إلا أنهُ أثبت نفسهُ من خلال العمل الصحفي والإداري الذي يرى أنهُ يشكل سجناً للصحفي وطرح الكثير من المواضيع التي حرمتهُ النوم و مع ذلك وثّق أنه الصحفي رقم واحد خلال الخمس السنوات الأخيرة على مستوى المنطقة والشاهد الملف السياسي وأشار إلى أن الصحافة بمنطقة نجران التي هي مسقط رأسه لا تزال خجولة ولن تخرج إلا بخروج الصحفي عن العمل التقليدي. ضيف اللقاء هو مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ عبدالله آل هتيلة .
* ماذا كانت تعني لك الصحافة قبل الولوج إليها وماذا عنت لك بعد أن أصبحت جزءاً منها؟
وأنا طالبٌ في المرحلة الثانوية كنت متيماً بقراءة الصحف التي كنت أجدها على أرفف البقالات، وأخصص جزءاً من مصروفي اليومي لشرائها وإن كنت في البداية كغيري من الشباب ميالاً للأخبار الرياضية إلا أنني وجدت نفسي ميالاً لمتابعة الشأن السياسي والأحداث التي يعيشها عالمنا العربي والإسلامي.
كنت أكتب في خانة التعريف بدفتري اسمي وجامعة الملك عبدالعزيز -قسم الإعلام- ما يؤكد شغفي بالعمل الإعلامي والصحافي تحديداً، إلا أنه لم يتم قبولي بعد انتقالي للجامعة بالقبول في قسم الإعلام وهذا توفيق من الله، فعوضته بالعمل الصحفي وأنا طالبٌ في الجامعة متنقلاً بين كبائن الاتصالات في جدة وكان ذلك عام 1404هـ لإنتاج أعمال صحفية بعد قبولي في صحيفة تابلويت، ومن هنا جاءت الانطلاقة وكانت صحيفة الجزيرة إحدى محطاتي التي أفتخر بها حيث عملت تحت رئاسة الأخ الغالي والأستاذ القدير والهامة الإعلامية خالد المالك، الذي أعتبره كنزاً وطنياً للأسف إنني اكتشفته متأخراً.
الصحافة تعني لي اليوم الشيء الكثير فهي توأم روحي، وبدونها لا أعيش، أخلصت لها، تعبت من أجلها، وضحيت وتعبت لكي أكون فارساً من فرسانها، والحمد لله أستطيع القول إنني اليوم في المكانة التي تجعلني فخوراً بكل ما قدمته للوطن والمواطن.
* ما هو آخر كتاب قرأته، وما هو الكتاب الذي تنصح بقراءتهِ؟
- آخر كتاب قرأته ولم أكمله هو كتاب الدبلوماسية لجوزيف ام سيراكوسا وأنصح بقراءة كتاب حياة في الإدارة لغازي القصيبي رحمه الله، الذي يروي من خلاله تجربته في الإدارة ومحطات مهمة من حياته العملية.
* ماذا تعني لك المكتبة وما أهم الكتب التي قرأت وما أبرز الكتب التي تتصدر مكتبتك الخاصة؟
- مكتبتي ربما لا تكون ثرية أسوة بالأدباء والمثقفين نظراً لشغف العمل الصحفي لكنها لا تخلو من كتب السيرة والمسيرة لعدد من كبار الصحفيين العرب أمثال الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة الجزيرة الذي تربطني به علاقة أخوية وثيقة، وأعتبر تجربته في مجال الصحافة ثرية ومؤثرة على المستويين الخليجي والعربي.
* ما الفرق بالنسبة لك بين العمل الإداري والكتابة وأيهما أقرب إلى تفكيرك؟
يبقى العمل المكتبي سجناً للصحفي الذي يريد الانطلاقة الحقيقية لإنتاج أعمال صحافية نوعية (حوارات، قضايا، تقارير) وغيرها من فنون الصحافة، ومن وجهة نظري هناك رؤساء تحرير لا يمكن أن يحملوا لقب صحفي لأنهم لم يمارسوا الصحافة الحقيقية، وإنما كانوا ولا زالوا خير من يدير ويخطط، بينما لدينا رؤساء تحرير جمعوا بين الإدارة والإنتاج الصحفي النوعي ولكنهم مقلون، ما أود قوله هو «أن الصحفي الحقيقي يعشق العمل الميداني لينتج أعمالاً نوعية تميز صحيفته عن بقية وسائل الإعلام الأخرى، بل وجعلها مادة يتناقلها الآخرون»، وأنا شخصياً لا زلت وسأبقى متيماً بالعمل الصحفي، مع استثمار خبراتي في الإدارة والتخطيط.
* انتقلت من ميدان الكرة العريض إلى ميدان السياسة وكلاهما صراع دائم فما الذي يستطيب لك في الميدانين؟
استطاب لي الميدان السياسي بعدما «سبحت على البلاط»، ولكن الكرة ظلت تلاحقني حيث عملت مديراً للتحرير للشؤون الرياضية في صحيفة عكاظ، وبعد انتهاء دورة العمل في القسم أذهب فوراً إلى مكتبي لمتابعة أخبار المنطقة والعالم حتى أكون على اطلاع بما يدور من حولنا، وباعتبار أن الثقافة العامة واحدة من متطلبات الصحفي الشامل الذي يريد أن يكون له اسم في الميدان الذي يعشقه، لذلك أستطيع القول «إنني تمردت على الرياضة عشقاً للسياسة».
* مكوثك إلى اليوم في عكاظ شاهد على الاستقرار أم أن عكاظ تعني لك أكثر من ذلك؟
«عكاظ» هي بيتي، ولكن وبعون الله حوّلت كل ما جوبهت به إلى محفزات ضاعفت من عطائي وجعلتني أكثر تركيزاً على النظر لمسيرتي الصحفية باهتمام كبير، وقلت في قرارة نفسي إن «هُضمت حقوقك فلا يجب أن تَحد من طموحك الشخصي»، وبالفعل تفرغت للعمل الصحفي وحققت نجاحات مسبوقة، ورُقيت إلى مساعد رئيس تحرير رغم أنه ليس أقصى حقوقي، ولكنه على الأقل كان رداً على من كانوا يعتقدون واهمين أنهم سيحدون من نشاطي»، وهم اليوم غادروا المشهد وأعلن من خلالكم أنني سامحتهم ليس ضعفاً ولكن شفقة عليهم لأن محاولاتهم باءت بالفشل.. أعود فأقول إن عكاظ تعني بالنسبة لي الشيء الكثير، وتبقى الذكريات الجميلة المسيطرة على ذاكرتي، أما بعض المحطات غير المضيئة فقد رميتها ومن صنعوها خلف ظهري.
* الصحافة موهبة أو دراسة وأيها أبقى في هذا الوقت؟
الصحافة موهبة لا تترجم إلى واقع إلا بالعشق «العاشق المحترف»، مع الأخذ في الاعتبار الثقافة العامة، والتضحيات بكثير من الواجبات الأسرية والاجتماعية والصحية، وللأمانة قلت في كثير من المناسبات إن خريجي أقسام الإعلام بالجامعات هم الأقل نجاحاً في مهنة الصحافة، لأن أقسام الإعلام تركز على الجوانب النظرية وتهمل العملية منها، لذلك الموهبة المدعومة بالعشق والثقافة تبقى المتميزة، والأكثر عطاءً.
* بمن تأثرت من رواد الصحافة السعودية والعرب ولمن تقرأ اليوم؟
تابعت الكثير من الرواد، ولكن لم أتأثر بأحد منهم، كنت أرى أن لدى البعض منهم أطروحات جيدة أميل إليها ولكن أختلف معهم في أخرى، وهذا يقلل فرص تأثري بهم، وحتى يومنا هذا اختلط الحابل بالنابل فنجد أن تحليل الأحداث لا يعتمد على الإلمام بالأحداث وقراءة تأثيراتها المستقبلية وإنما بناءً على العلاقات الشخصية، وعدم فهم القائمين على بعض القنوات الإعلامية بما هو حال هذه الأحداث ومآلاتها فلا يحسنون اختيار المحللين أو المتحدثين الذين أسميتهم أبطال «قوقل»، لأنهم يتحدثون عن معلومات بدائية متداولة، ولا يملكون رؤية أو قراءة مستقبلية خاصة بهم.
* العمل بالتنقل بين مكاتب الصحف ماذا أعطاك و ماذا أخذ منك؟
لم أتنقل بين مكاتب الصحف، وربما كانت «عكاظ» هي محطتي الوحيدة ما عداها كانت فترات قصيرة، وأعتقد أن الاستقرار يعطي نوعاً من الممارسة الفعلية، ومعرفة السياسات وتنمية الحس الرقابي، وفي عكاظ عملت رئيس تحرير تنفيذياً بالتناوب مع عدد من الزملاء من بينهم المرحوم الدكتور عبدالعزيز النهاري والدكتور سعيد السريحي وهاشم الجحدلي، وأشرفت على كل الأقسام في الصحيفة باستثناء القسم الثقافي، وأشرفت على تطوير الصحيفة عام 1433هـ وغيرها من المهام وهذا دليل على أهمية الاستقرار.
* لماذا ذكرت في حديثك مع أحد الإعلاميين أنك الصحفي رقم واحد وماذا يعني رقم واحد وفي أي المجالات الصحفية؟
كانت إجابة على أحد الأسئلة، حيث قلت «في الخمس سنوات الأخيرة أنا الرقم واحد في الشأن السياسي المتعلق بملفات المنطقة»، وأؤكد ذلك من خلالكم مرة أخرى، وهذا يعني ضرورة الاستمرارية من خلال أعمال نوعية مهما كانت الصعوبات والتحديات.
* تؤمن بالشعارات والألقاب وهل هي عناصر منشطة ومحفزة للصحفي أم أن هناك ما يستحق لذلك؟
لا أؤمن بالشعارات والألقاب، ولكن أعلم أن التحفيز والتشجيع الذي ربما اختفى في كثير من وسائل إعلامنا مهم جداً، فمن الصعب المساواة بين من يعمل ويبدع وبين من لا يعمل ولا يملك ما يشفع له أن يحمل لقب صحفي.
* هل تتراجع عن قرارك عندما تخطىء أم تصر على ما تقول مهما كانت النتيجة؟
من عملت معهم وعملوا معي يعلمون إنني إنسان أؤمن بالعمل الجماعي، والعصف الذهني، لذلك قد تكون الأخطاء في مجال العمل «صفرية»، أما على المستوى الشخصي فلا أجد حرجاً في الاعتذار لو أخطأت.
* ما هو العمل الصحفي الذي حرمك النوم مدة طويلة وهل أتت النتيجة مرضية بعد ذلك؟
ربما يكون حواري مع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في صنعاء وكانت آنذاك تحت سيطرة المليشيا الحوثية وتعيش حالة من الفوضى.. فقبل سفري بأيام وفي ظل رفض أسرتي وأقاربي السفر إلى صنعاء خوفاً على حياتي عشت لياي صعبة ومؤرقة لكنني في النهاية قررت السفر وأجريت الحوار، حتى إنني عندما وصلت صنعاء التقيت فجأة مسؤولاً يمنياً رفيعاً هجر العمل السياسي وقال لي بالحرف الواحد وباللهجة اليمنية الدارجة «إيش جابك لو قُتلت لضاع دمك بين القبائل»، في إشارة إلى حالة الفوضى التي تعاني منها في ذلك الوقت وهي بلا شك مستمرة حتى اليوم.. والحمد لله رغم كل المصاعب والمخاوف التقيت علي عبدالله صالح وأجريت معه الحوار الذي أعتبره واحداً من أهم الأعمال في مسيرتي الصحفية.
* الصحافة بنجران ليست في أفضل حالاتها فمن السبب في تخلفها عن الركب وما العلاج لذلك التراجع أم أن هناك بشائر بطلائع تقدمها عما قريب؟
هناك محاولات خجولة من بعض الشباب ولكن يبدو أنها لن تنجح لعدة اعتبارات من بينها إصرارهم على العمل التقليدي، والتركيز على «السناب شات»، وأملي أن يشجع الشباب بعضهم البعض نحو تطوير أدواتهم وبما يساعدهم على خلق بيئة إعلامية صحية.
* ما هي الثقافة التي يتوجب أن يتسلح بها الصحفي غير الشهادات والعلاقات العامة؟
قبل الثقافة كما ذكرت لا بد من العشق للمهنة، بحيث يملك العاشق أدوات ومتطلبات معشوقته «الصحافة»، ومن هذه المتطلبات الإلمام بما يحدث في العالم من أحداث ومتغيرات عسكرية وسياسية واقتصادية، مع الإلمام بما تشهده بلادنا من نقلة نوعية في مختلف المجالات.
* بعد تحول الصحف إلى إلكترونية هل يعني ذلك انتهاء دور المكاتب الصحفية وماذا سيكون مصير الذين يعملون من خلالها؟
المكاتب يقتصر دورها على التخطيط والتسويق والإعلانات، أما العمل الصحفي الحقيقي فمحله ومنبعه الميدان، بدليل أن الصحفي الحقيقي وفي ظل توفر وسائل التواصل يستطيع ومن قلب الصحراء أو المناطق النائية أن ينتج مواد صحفية نوعية قد لا يأتي بها من يقبعون في المكاتب الفارهة، لذلك لم تعد المكاتب ذات جدوى للعمل الصحفي.
* عمل كتبتهُ و لن تنساه بسبب أنهُ تسبب لك في مشكلة كبيرة, أخطاء صحفيين وضعتك في منزلة محرجة كيف تجاوزت ذلك؟
باختصار ودون الدخول في التفاصيل «كنت أتابع مجريات التحقيق في كارثة سيول جدة، وكانت لي مصادر موثوقة، ومن بين ما نُشر مادة (مانشيت) عن استدعاء ملفات قياديين في أمانة جدة يبدو أنها أثارت حفيظة أحد المسؤولين، وتم استدعائي لمعرفة المصدر «، ولكن البطانة الصالحة أنقذتني من التوقيف بعد مشاورات أفضت لحل مناسب ومن خلال الجزيرة أقول لشخصين لن أنساهما: تهنئة من أعماقي لكما على رقي التعامل والحكمة في التعاطي، وأنتما من زادكم موقعكم ثقة وتواضعاً.
* الصحف الإلكترونية تمنح بطاقات الصحفي والمحرر ومدير مكتب وغيرها ألا ترى أن ذلك لا يختلف عن شهادات التزوير أم أن لك رأياً آخر؟
لا يمكنني القول إنها مشابهة لشهادات التزوير، لكن السؤال: هل هي نظامية وعلى ماذا استندت عند الإصدار، وأين الجهات المعنية من هذا الكم الهائل من البطاقات التي يتم إصدارها؟
* هل سنرى قريباً كتاباً يخدم مشوارك الطويل في صاحبة الجلالة أم أن ذلك لا يدور في تفكيرك؟
بصراحة هذا محل تفكيري، ولكنه يحتاج إلى تفرغ، إضافة إلى كتاب عن سفري إلى صنعاء للقاء علي صالح، لأن 24 ساعة قضيتها في العاصمة المختطفة كشفت الكثير من الأسرار.