فهد عبدالله العجلان
«ما شتمت ولا سبّت أحدا من يوم عرفتها... تجمع الناس ولا تفرقهم... الله يرحمها»..... كانت تلك كلمات والدتي حين نعيت إليها الخالة شيخة بن عبد الرحمن السعدى (أم فهد) -رحمها الله-، فتاة صغيرة قدمت مع والدها الشيخ عبدالرحمن بن سعدى أحد رجالات الوطن وممن شاركوا في حرب اليمن والذي عُيّن أميرا لبلدة رغبة في عهد الملك سعود -يرحمه الله - التي تسكنها غالبية أسرة العجلان، تزوج العم إبراهيم بن عبدالعزيز العجلان- يرحمه الله- شيخة السعدى لتكون زوجته الثانية التي كان يخلط الناس غير المقربين في علاقتها بزوجته الأولى منيرة (أم عبدالعزيز) -رحمها الله- باعتبارها ابنة لها لا ضرتها.
يقول ابن العم محمد بن سعد العجلان كنت أزور منزلهم في الرياض وأرى فتاة هادئة خجولة تخدم أم عبدالعزيز وتتبادلان الود والمحبة فكنت لسنوات أعتقد أن شيخة ابنة لها، كانت تفرح بقدوم أطفال الأسرة وتوزع عليهم مشروب (كندا دراي) الذي كان تذوقه منتهى طموح الأطفال والشباب في ذلك الوقت، بعد سنوات طويلة وبعد انتقال العم إبراهيم إلى منزله في حي المربع بالرياض يكرر ذات المشهد ابن العم عجلان بن سعد العجلان الذي كان يسكن ذات الحي في طفولته: إن شيخة كانت تستقبل الأطفال وترحب بهم وتسعد باجتماعهم في بيت العم رغم الضوضاء والأضرار التي يحدثها الأطفال في لقاءاتهم!
يقول أحد أبناء العمومة في عزائها الذي شهد أفواجا من المعزين، زرعت شيخة في وجدانهم الكثير من ضياء الأرواح؛ نساء عرفوها ونساء ورجالا ظلَّلت شجرة عطفها ومواقفها الوارفة الظلال أوجاعهم وحاجاتهم لسنوات لم يكن يعلم أحد عنها: هذه الجموع خبيئة شيخة السعدى مع ربها!
كانت شيخة تمنح حُلِيّها وزينتها التي تتقاتل النساء اليوم بالاستعراض بها سرًّا لمساعدة الأسر المحتاجة، وتزويج الشباب ورعاية الأيتام، حتى بناتها اللواتي يلتقين بها يوميا كنَّ إذا سألت إحداهن عن تلك الحُلِي أو تلك الساعة التي افتقدوها تقول: إنها ملَّت منها فباعتها لشراء غيرها الذي لا يأتي إلا ليُفْتَقد بالسبب ذاته!
كانت تحفز أحفادها وحفيداتها على البر بوالديهم، وحفظ القرآن الكريم، وتفاجئهم حين ينجزون حفظهم بهدايا وتكريم لن تنساه وتتجاوزه ذاكرتهم أبدا، تعاتب الأطفال بعطف ينتهون به عن أخطائهم دون خوف ولا ترهيب؛ وتترك كل مجلس يذكر فيه أحد بسوء أو سخرية حتى وإن كان عمن أساؤوا لها.
طيلة سنوات بعد زواجي من (أم جود) - واسطة عقد روحها - لم ألتق بها إلا والابتسامة والدعاء ضيافتها، حتى في أوقات مرضها وتعبها لم أكن أعلم عن حالها إلا بعد اللقاء بأيام؛ فلم تكن الشكوى والتذمر يسكنان روحها!.... آخر لقاء جمعني بها ولم أكن أعلم أنه الوداع أبت رغم تعبها إلا أن تودعني قائمة وبابتسامتها ودعائها الذي لم يتغير منذ أول يوم التقيتها فيه...... حين تواصل معي ابن العم الأخ فهد بن إبراهيم العجلان والابن البكر للفقيدة شيخة لتقديم الشكر والامتنان لمقام خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده ولعموم المعزين، أعد الزملاء صفحة الشكر وفق الصياغة التقليدية بتقديم أبناء الفقيدة؛ إلا أن الأخ فهد أصرَّ أن يكون اسم أخيه الأكبر غير الشقيق عبدالله موجوداً في رأس القائمة وأخواته غير الشقيقات باعتبار أن حزنهم وفقدهم للخالة شيخة لا يقل عن حزن إخوته وأخواته الأشقاء، هذا الموقف النبيل والصادق انعكاس طبيعي لتربية شيخة وإبراهيم- رحمهما الله- والأجواء الطيبة داخل البيت الذي أتمنى أن يسود مثلها كل البيوت!
رحلت شيخة بنت عبدالرحمن السعدى بجسدها وجسَّدت بأثرها أبياتا من الشعر كتبت لمثل رحيلها حين قال المتنبي في رثاء أم سيف الدولة:
ولو كُنَّ النساء كمن فقدنا
لفُضِّلت النساء على الرجال
حين وقفت على قبرها، وهو يرش بالماء لم أتذكر سوى بيت المهلهل وهو يرثي أخاه كليبا حين قال:
سقاك الغيثُ إنك كنتَ غيثا
ويسرًا حين يُلْتَمسُ اليسارُ
رحمك الله يا شيخة بنت عبدالرحمن السعدى، وأنزلك الفردوس الأعلى من الجنة، وجمعك بالعم إبراهيم بن عبدالعزيز العجلان؛ زوجك وحبيب روحك في فسيح جناته.