بدر بن عبدالمحسن المقحم
تعتبر العلاقات السعودية الأمريكية من أقدم العلاقات بين البلدين حيث تعود بداياتها للعام 1933م حيث تم منح امتياز البحث والتنقيب عن البترول السعودي لشركات النفط الأمريكية، ثم أصبحت للدولتين سفارة في كل من جدة وواشنطن في عام 1949م كثمرة ونتيجة للقاء التاريخي بين الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - والرئيس فرانكلين روزفلت في 14فبراير 1945م وحجر الزاوية في علاقات البلدين المستقبلية على المستويين الدبلوماسي والاستراتيجي، لكن يلاحظ أنه على الرغم من حرص المملكة في المحافظة على مستوى هذه العلاقة وتعزيزها من حين لآخر والسعي في إيجاد قنوات تواصل للتعاطي مع مستجدات المنطقة وقضاياها إلا أن الجانب الأمريكي في بعض مواقفه تجاه المملكة وبالذات إذا كانت الإدارة تنتمي للحزب الديمقراطي فإنها تتبنى وجهات نظر ومواقف لا تعبر عن درجة الصداقة التي تجمع البلدين طوال العقود الماضية.
صحيح أن العلاقات الدولية تتفق في وقت وتختلف في وقت آخر تبعاً لمصالح كل طرف ويظل هذا هو منطق الدول في الدفاع عن مصالحها لكن لا يصل الأمر إلى درجة الحدة والتطرف والتحريض الذي يهدد مسار هذه العلاقات كما حدث في الموقف المعلن للإدارة الأمريكية الحالية مؤخراً المهدد بنسف منجزات البلدين خاصة في مجال أمن واستقرار المنطقة والتدفقات النفطية وملف مكافحة الإرهاب، فتصريحات الرئيس الأمريكي التي أدلى بها مؤخراً في ولاية ميريلاند، وتوجيهه الاتهام للسعودية وروسيا مسؤولية ارتفاع أسعار النفط، عقب صدور قرار أوبك بلس في 5 أكتوبر 2022م، بخفض إنتاجها من النفط بنحو مليوني برميل يومياً بدءاً من نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وتأكيده أنه يجري محادثات مع وزيرة الطاقة حول الخيارات المتوفرة لتلبية احتياجات الشعب الأميركي، وما تلاه من مطالبة العديد من المشرعين الأميركيين الرئيس بايدن باتخاذ إجراءات بهذا الصدد الأمر الذي يعني عودة الحديث لمشروع قانون (نوبك) الذي اقتُرح عام 2007 في الكونغرس الهادف إلى مكافحة الاحتكار والضغط على أعضاء مجموعتي «أوبك» و»أوبك بلس» بهذا الخصوص، في المقابل صدر بيان عن وزارة الخارجية السعودية رفضها التام لهذه التصريحات التي لا تستند إلى الحقائق، وتعتمد في أساسها على محاولة تصوير قرار أوبك بلس خارج إطاره الاقتصادي وهو قرار اتخذ بالإجماع من كافة دول مجموعة أوبك لدرء التقلبات التي لا تخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، كما أشار البيان إلى أنه في ظل القناعة السعودية بأهمية الحوار وتبادل وجهات النظر مع الحلفاء والشركاء من خارج مجموعة أوبك بلس حيال أوضاع السوق البترولية، فقد أوضحت من خلال تشاورها المستمر مع الإدارة الأمريكية أن جميع التحليلات الاقتصادية تشير إلى أن تأجيل اتخاذ القرار لمدة شهر حسب ما تم اقتراحه سيكون له تبعات اقتصادية سلبية، مع تأكيد هذا البيان على أن العلاقات السعودية الأمريكية قائمة على أسس استراتيجية والتعاون في عدة ملفات من بينها مكافحة الإرهاب.
إن نظرة فاحصة للعلاقة السعودية الأمريكية نجد أنها في دائرة الشراكة الاستراتيجية ودون المستوى التحالفي وعلى هذا الأساس بذلت المملكة في هذا الإطار المزيد من أوجه التعاون في عدة مجالات وملفات ذات أهمية خاصة بالنسبة للجانب الأمريكي وتبنت في المجال النفطي سياسات انعكست بصورة إيجابية على الاقتصاد الأمريكي ومن ذلك ماحدث في أواخر الثمانينيات الميلادية ووصول الأسعار إلى (7) دولارات للبرميل الواحد واستفادت الولايات المتحدة الأمريكية من هذا الهبوط الحاد مما اضطر المملكة وكمنتج مرجح بخفض إنتاجها من (7.5) ملايين برميل يوميا إلى (2.5) مليون برميل يومياً بهدف تحقيق الاستقرار في الأسواق النفطية، وليزداد بالنتيجة المخزون الاستراتيجي لأعضاء وكالة الطاقة الدولية ومن بينهم أمريكا أكثر من (6) مليارات برميل، وبنفس هذا النهج لعبت المملكة في ظروف أخرى دور المنتج المرجح الذي يضحي من أجل مصلحة المنتجين والمستهلكين على حد سواء، فكيف الآن وفي هذا التوقيت بالذات يلقى على المملكة اللوم والتهديد دونما أي مبرر يذكر؟
إن على الإدارة الأمريكية مراجعة نفسها وعدم الانجرار للتيارات الموجودة في البيت الأبيض التي تريد ضرب هذه العلاقات الثنائية مع توظيف البعض مسألة التجاذبات الحزبية في الداخل الأمريكي التي هي شأن أمريكي محض في بناء تلك المواقف المتشنجة والهروب من المسؤولية، واستثمار هذه البيئة المرتبكة في المواقف من لدن مجموعات الضغط والمصالح واللوبيات المؤثرة على صانع القرار الأمريكي كاللوبي اليهودي (إيباك) واللوبي الإيراني (نياك)المتغلغل في أوساط المؤسسات الأمريكية بقصد الإضرار بالعلاقات بين البلدين، وإلا بماذا يُفسر(على سبيل المثال) التراخي الأمريكي الصارخ تجاه الملف النووي الإيراني وتدخلات طهران قي شؤون المنطقة العربية وبالذات الشق الخليجي منه والعربدة الإيرانية في أربعة عواصم عربية وتهديداتها المتكررة ضد استقرار المنطقة وأمن الطاقة العالمية وخطوط الملاحة الدولية.
إن الإدارة الأمريكية الحالية أذا ارادت أن تحذو حذو الإدارات الأمريكية السابقة المتعقلة عليها أن لا تنجرف وراء مثل هذه التيارات والتحزبات بل عليها التأني وسماع صوت العقل، والعمل بمبادئ القانون الدولي الذي من أبرز مضامينه احترام سيادة الدول ومصالحها الوطنية، وعدم الركون لحق القوة بل قوة الحق، والحوار الصادق الشفاف مع أصدقائها. إن تسييس سلعة عالمية كالنفط لتحقيق غايات شخصية أو حزبية ضيقة أو فرض قاعدة (من ليس معي فهو ضدي) يناقض الأسس التي قام عليها الفكر الرأسمالي ويقوض مبدأَيْ العرض والطلب التي هي إحدى ركائز الاقتصاد الحر وحرية الأسواق، ويسئ للعلاقات الدولية، ويفتح باب التوترات وكراهية الآخر إذا ما استمر هذا الأسلوب من التفكيرالأحادي، بل قد يعلي هذا السلوك من أسهم ظاهرة التطرف وخروج تيار عالمي يقف بحزم ضد السياسات الأمريكية ومصالحها في العالم.