محمد ناصر الأسمري
على مدى أربعة أيام كانت مدينة الطائف مدار تعاكظ أكثر من 140 مؤرخاً/مورخة في جمع لجمعة التاريخ والآثار لدول مجلس التعاون الخليجية العربية.سجل فيها المشاركون والمشاركات عدداً طيباً من البحوث والأوراق العلمية عن تأريخ الطائف. تميزت ندوات ومحاور الملتقى على خلاف بعض المشابه في ملتقيات أخرى بتواجد مكثف في حضور ومناقشة ما طرح من بحوث وأوراق.
كان البروفيسور يوسف عبده عسيري مدير جامعة الطائف مكي المولد ألمعي الأصل، حاضراً ومعقباً وحريصاً على مشاركة الباحثين/ الباحثات بالتقاط صورة معهم/هن على منصة الإلقاء فكان في هذا حميمية جميلة.
كانت أيقونة الجمع الأستاذة الدكتورة لطيفة مطلق العدواني أستاذة التاريخ في جامعة الملك سعود ومديرة مركز تاريخ الطائف. أما الأستاذ الدكتور عبد الهادي العجمي الكويتي الأنيق رئيس مجلس إدارة جمعية التاريخ والآثار الخليجية العربية فكان جامع الكلم في التاريخ والتعاون. لا يمكن للجمعية وأعضائها نساءً ورجالاً إغفال الأستاذ الدكتور بن عمر الزيلعي الأمين العام للجمعية، وما كان له من عمل وريادة في رعاية ودعم الجمعية تطوعاً ومنفقاً جهداً ومالاً على مدى ربع قرن، ولدارة الملك عبد العزيز وأمينها المكلف د. فهد السماري شكر وتقدير على الدعم والمؤازرة.
من جمال مسارات اجتماع الجمعية حضور الأمير المهندس سعود بن نهار بن سعود محافظ الطائف ليس راعياً للحفل بل مصفقاً لكل باحث/ باحثة. وقد كنت محظوظاً أن خصني بتكريم وعناية أحمل لها فيها كل التقدير والاحترام.
شاركت بورقة عن الطائف مدينة الجيش والدفاع، أوضحت فيها عن نشوء قطاعات كثيرة من أفرع القوات المسلحة في مدينة الطائف.
هنا بعض ما قلت في ورقتي عن الطائف:
ارتبط اسم الطائف في ذاكرتي بالجمال في كل شيء، كيف لا وهي المدينة التي عشت قدراً من طفولتي فيها وتعلمت ولا تزال لها في القلب منازل. مناط الحب كان الارتباط بأبي - رحمه الله -. ومدارات الحب للطائف أيضاً أنني عرفت فيه عينات عشوائية من الأهل والعشيرة بنات وأبناء وطني، من أقصى الشمال والجنوب والشرق والوسط والغرب.
وارتباط الطائف في وجدان الوطن السعودي منذ بدايات التأسيس لكياننا الوحدوي العظيم الذي سار به الملك المؤسس الموحد عبدالعزيز - غفر الله له - مع كوكبة من رواد أجيال التأسيس من الآباء والأجداد، هو ارتباط متعدد الأطياف والألوان والمذاقات، بما جعل للطائف أرضاً وإنساناً، سبقاً في الأولويات الجميلة في إرساء دعائم أركان الوطن السعودي.
اختار الملك المؤسس البقاء في الحجاز أطول مدة من تاريخ حياته في العمل للبناء المؤسسي لمؤسسات الدولة - الحكومة، ولم حوله عقولاً مبدعة من أرجاء الوطن العربي أسهمت في تقديم الرؤى والآراء، حيث سرد عددا من المستشارين الذين عملوا مع الملك عبد العزيز وهم من مختلف الأقطار العربية، كما أنه في الوقت نفسه جلب بالقوة أطفالاً من أرجاء الوطن السعودي ليدخلهم منارات العلم، فكانت دار التوحيد معلماً تربى فيه وتعلم من تسنم مقامات متعددة في الارتقاء بتوطين خدمة الكيان في البدايات، حيث تشربوا وطنية الانتماء والإنماء. وارتضى الملك الوالد المؤسس الطائف مقراً صيفياً حتى توفي بها وترك مجتمعاً مدنياً راقياً تعايش فيه الناس عملاً وتعاملاً أنتج ارتباطاً بالأرض، فكانت ولا تزال باباً لمكة المكرمة حجاً ومحجاً وحاجات، فهي المدينة المثال التي انصهر فيها السعوديون من كل أرجاء الوطن الكيان.
ونقطة التحول العظمى كانت صوابية رؤية وبعد نظر الراحل العظيم، في أن تكون الطائف هي مدينة الجيش الذي كان النواة في صهر أبناء الوطن في انضباطية الولاء لله والوطن، دون قبلية أو مناطقية أو تمايزات.
كتبت أكثر من مقال في الجزيرة وغيرها أن الطائف كانت مدينة الصهر الاجتماعي لمختلف المنابت والأصول من مجتمعنا في بدايات التكوين المؤسسي للدولة الأولى.
إن الطائف ما زالت وما برحت مدينة التنوير والرقي والتحضر، ففيها امتزجت أطياف من منابت وأعراق فكونت مجتمعاً مدنياً راقياً، تعايش فيه الناس عملاً وتعاملاً أنتج ارتباطاً بالأرض..
ستبقى الطائف مدينة للعيش الجميل دون حكر أراضيها، فالدولة تملك التخطيط والتوزيع وللناس أملاكهم وأفلاكهم.
كانت مدينة الطائف بعد معارك التوحيد للوطن، وما تزال هي مدينة التكوين والتأسيس للقوات النظامية التي تألفت وألفت القوات المسلحة السعودية.
ستبقى الطائف مدينة للعيش الجميل.