في عهد الحزم والإصلاح والعدالة الناجزة عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمين - حفظهما الله -، استكملت وزارة العدل خطوات التقاضي الإلكتروني عبر إنجاز عدد من المبادرات والإجراءات التي نفذتها وحولتها من خطط وطموحات إلى مشاريع قابلة للتطبيق وقادرة على التحول إلى قضاء إلكتروني متكامل من خلال إجراءات رقمية ميسرة ومحققة للضمانات القضائية ورفع كفاءة العمل العدلي.
نستعرض في هذا التقرير أهم التطورات التقنية التي عملت عليها وزارة العدل لتحقيق التقاضي الإلكتروني، بتوجيه من معالي وزير العدل الشيخ الدكتور وليد بن محمد الصمعاني، وبدعم من القيادة الرشيدة، تحقيقاً لمستهدفات رؤية المملكة 2030.
وتتمثل أبرز التطورات التي عملت عليها الوزارة لتحقيق التقاضي الإلكتروني، في تصنيف الدعاوى، حيث اعتمدت الوزارة (النمذجة) لبناء مصدر معرفي إجرائي موحد لكافة متطلبات مراحل التقاضي؛ لتسريع الإجراءات القضائية ورفع جودتها.
وعملت الوزارة على تصنيف (1300) صحيفة دعوى وإعادة حصرها إلى 300 تصنيف تضمن النمذجة وتحرير الدعاوى والإجابة عنها بشكل نموذجي آلياً عبر بوابة ناجز؛ بناءً على مدخلات المستفيد.
وجاء التحقق الإلكتروني من هوية المستفيد ليعزز من التقاضي الإلكتروني، حيث أتاحت الوزارة تقديم الخدمات العدلية من خلال خاصية التحقق من الهوية بشكل رقمي دون الحاجة للتحقق اليدوي، فيما جاء التبليغ الإلكتروني كأحد الممكنات بعد صدور الأمر الملكي والمتضمن اعتماد الوسائل الإلكترونية في التبليغات القضائية وتحويل التبليغ من الطرق التقليدية إلى التبليغ الإلكتروني، والذي يُعد على إثره التبليغ الإلكتروني منتجاً لآثاره النظامية.
تبادل المذكرات الإلكتروني
تمكن خدمة التقاضي الإلكتروني (أطراف الدعوى) من الترافع الكتابي وتبادل المذكرات مع (الدائرة القضائية) وإيداعها في ملف القضية، إضافة لتوجيه الأسئلة من (الدائرة) والإجابة عنها كتابياً من قبل (الأطراف) وإرفاق مستنداتهم.
فيما مثلت المصادقة على محضر ضبط الجلسة القضائية إلكترونياً نقلة نوعية في الإجراءات القضائية، فبعدما كانت تطبع محاضر الجلسات في السابق ويوقع الأطراف بشكل يدوي، ومن ثم تُدخل الأوراق في النظام ليتم حفظ الضبوط، في عملية تستغرق وقتاً طويلاً، أصبح المستفيد قادراً على المصادقة مباشرة على محضر ضبط الجلسة، ليتم بعد ذلك إصدار صك الحكم الإلكتروني من خلال إجراءات متسلسلة ويكون النطق بالحكم وشطب الدعوى والحكم بالنكول من خلال (الجلسة المرئية) أو (الجلسة الحضورية) وتسلم الأحكام للأطراف إلكترونياً.
الاعتراض والتنفيذ الإلكتروني
وهي خدمة تتيح للمستفيدين الاعتراض على حكم أو قرار قضائي صادر من المحكمة، على أن يتضمن الاعتراض رقم الحكم المعارض عليه، وتاريخه وأسباب المعارضة.
وسعياً لإكمال المنظومة القضائية الإلكترونية أطلقت الوزارة خاصية تنفيذ الحكم إلكترونياً، وذلك سعياً لتقليل الإجراءات وتقليل الزيارات الشخصية للمحاكم مما يتيح للمستفيدين تقديم الطلبات إلكترونياً.
وقد أسهم التحول الرقمي في العديد من الإجراءات القضائية، لتطور الأدوات الرقابية ووسائل المتابعة والشفافية من خلال التفتيش القضائي بحيث يتم الاطلاع على الضبوط والسجلات بشكل إلكتروني بعد أن كان من خلال الزيارات الميدانية، وكذلك مؤشرات أداء المحاكم التي تتابع من مخرجات ذكاء الأعمال عن طريق مركز العمليات العدلية وغرف عمليات المحاكم.
المحاكمة عن بعد
ولتقليل مدد التقاضي وتوفير الجهد مع تحقيق الضمانات القضائية كافة للمتهمين والسجناء أثناء المحاكمة، فعلت وزارة العدل بالتنسيق مع المديرية العامة للسجون، حزمة مـن الخدمات المقدمة للسجناء، مـن أبرزها «المحاكمة عـن بعد»، التي تتيح إجراء التقاضي دون الحاجة لنقل السجناء إلى المحكمة في عملية إلكترونية بالكامل.
أسهمت الخدمة في تقليل التكاليف التشغيلية المرتبطة بتقديم الخدمات العدلية للسجناء، وفي الوقت ذاته تحسين تجربة المستفيد من خلال توفير الوقت والجهد للانتفاع من الخدمات العدلية، ومن تلك الخدمات إطلاق برنامج تفاعلي يقوم على وضع بيانات دقيقة وإحصاءات لقضايا السجناء، والمتابعة الدائمة لقضاياهم عن بعد، مما يعطي مؤشرات إحصائية متجددة. وقد كرمت هيئة كفاءة الإنفاق والمشروعات الحكومية وزارة العدل عن مشروع المحاكمة عن بعد.
علما أنه في السابق كان نقل أكثر من 200 سجين يومياً إلى المحاكم، بينما الآن يعقدون جلساتهم في مقراتهم بدلاً من الانتقال لمدينة المحكمة مما يوفر الخصوصية للسجين.
آثار إيجابية
ونتيجة لهذه التطورات والمبادرات الكبيرة فقد ظهرت نتائج وآثار خطوات التقاضي الإلكتروني في عدة جوانب بدءا بصحيفة الدعوى وجودتها من خلال تتبع مواطن القصور والضعف في متطلبات صحيفة الدعوى مما يسرّع عملية المعالجة. ورفع جودة مدخلات الصحيفة وتوحيد المتطلبات اللازمة لنماذج صحائف الدعوى والإجراءات عليها ونمذجتها.
أما أثر التقاضي الإلكتروني في سرعة تبليغ أطراف الدعوى فتمثل في إيصال التبليغ في مدة وجيزة والتقليل من الاعتماد على العنصر البشري وتقصير أمد الدعوى، كما يعد هذا التبليغ الإلكتروني وسيلة إثبات لوصول التبليغ ويساهم في تجويد الحكم القضائي مع ضمان السرية، بحيث يقتصر الاطلاع على نوع وبيانات القضية والمتقاضين على ذوي الشأن دون غيرهم.
كما ظهر جلياً أثر التقاضي الإلكتروني إيجابياً على عمر القضية، حيث أسهمت تلك الإجراءات الإلكترونية في تقليل متوسط أيام النظر في القضايا بشكل كبير.
وفي مجال حفظ الضمانات القضائية، فقد أتاحت خدمة التقاضي الإلكتروني لأطراف الدعوى الاطلاع على كامل ما يقدم في القضية، كما مكنتهم من الترافع الإلكتروني وتبادل المذكرات والرد على طلبات الدائرة، وتقديم المستندات والمحررات وعقد (الجلسة الكتابية) و(الجلسة المرئية)، والنطق بالحكم واستلام نسخة الحكم والاعتراض عليه أمام المحكمة الأعلى درجة، كما وتحافظ الخدمة على الضمانات القضائية وفق حوكمة تضمن تحقيق تلك الضمانات بما يتناسب مع طبيعة هذا المسار من خلال تحقيق مبدأ المواجهة بحيث يتم من خلال خدمة التقاضي الإلكتروني استيفاء حق الدفاع بتمكين الأطراف من الاطلاع على كامل ما يقدم في القضية بما في ذلك المذكرات والمستندات التي تقدم أثناء الجلسة أو عند التهيئة والتحضير ومواجهة الأطراف بها.
ثم مبدأ علانية الجلسات من خلال إتاحة الدخول إلى خدمة التقاضي الإلكتروني وفق إجراءات محددة بما يراعي سلطة المحكمة في ضبط نظام الجلسة، إضافة إلى خدمة تسجيل الجلسات والاحتفاظ بها.
كما أسهم التقاضي الإلكتروني في زيادة عدد القضايا التي تنظرها الدائرة القضائية بشكل ملحوظ ورفع مستوى رضا المستفيدين إضافة إلى إسهام التقاضي الإلكتروني في زيادة الرقابة القضائية من خلال تطور الأدوات الرقابية ووسائل المتابعة وزيادة الشفافية والوضوح، وحوكمة الإجراءات القضائية، وسهولة التفتيش القضائي ومتابعة وقراءة مؤشرات أداء المحاكم.
تقليل عدد رحلات المستفيدين
أسهم التقاضي الإلكتروني في تقليل عدد زيارات المحاكم بشكل كبير حيث يتم تقديم الخدمات العدلية والقضائية عن طريق الأجهزة التقنية وسهولة الوصول إليها في كل وقت حيث إنه عقد خلال الربع الثاني لعام 2022، نحو 325 ألف جلسة إلكترونية مرئية مما سهل على أطراف الدعوى عدم الحضور للمحاكم.
كما حفظ التقاضي الإلكتروني حقوق غير المتحدثين باللغة العربية وذلك بسرعة توفير خدمات الترجمة عن بعد لجميع المحاكم بدلاً من البحث عن مترجم لكل محاكمة، وكذلك تفعيل مركزية الخدمات من أجل سرعة الاستجابة والحوكمة وتقديم خدمات ذات جودة عالية.
تطوير ممكنات العدالة
كما أسهم التقاضي الإلكتروني في تمكين تطوير ممكنات العدالة الوقائية من خلال رفع مستوى الشفافية مما يعزز مؤشر سهولة الأعمال، ورفع تصنيف القضاء في المملكة وإبرازه دولياً ومحلياً في ظل إمكانية الوصول للمعلومات بيسر وسهولة باستخدام محددات وأدوات البحث المتقدمة ورفع المستوى المعرفي لدى المجتمع القضائي والأكاديمي لرفع جودة الأحكام والمخرجات القضائية من خلال تسهيل اطلاع القضاة وأطراف الدعوى وغيرهم على السوابق القضائية.
إضافة إلى رفع مستوى قدرة التنبؤ بالأحكام القضائية، مما يسهم في تقليل التكاليف التشغيلية القضائية للنظر في القضايا الواردة للمحاكم قبل التوجه للتقاضي والحد من تفاوت الأحكام القضائية.
وختاماً.. ولأن خطط وزارة العدل ومبادراتها وابتكاراتها لا تقف عند حد، فمن المخطط استخدام الذكاء الاصطناعي في عدد من الخدمات لتكون داعماً لاتخاذ القرارات القضائية أثناء عملية التقاضي سواءً في الأعمال القانونية أو الأعمال الداعمة ومنها:
التنبؤ بالأحكام وصولاً إلى إصدارها للقضايا البسيطة بطريقة تحقق الدقة والجودة، مستندة على الأنظمة واللوائح وقابلة للتفسير.
وكذلك التوصية باتخاذ القرارات المناسبة المبنية على طلبات الأطراف أثناء عملية التقاضي، مع رقمنة الوثائق وملفات الوسائط المتعددة لتسهيل البحث فيها وصولاً إلى التنبؤ بالتعثر بالسداد عند إنشاء سند تنفيذي.