نوف بنت عبدالله الحسين
رفيقة الحل والترحال، وليالي السمر وجمعة الخلّان، هكذا هي صحبتها، عبقها يسبق طعمها، فنعيش نشوة الترقّب، ونرتشف الفنجال بكل تلذّذ، لتمتلكنا من لحظة الفنجال الأول، إلى هزّة الفنجال الأخير.
هكذا أرى القهوة السعودية، وقد ارتبطت بذاكرة الطفولة حول مكان جدتي الأثير وهي تحمس وتطحن القهوة، وتعيّش من حولها طقوس القهوة وتفاصيلها، وكانت تحرص على أن تكون حبات القهوة بحالة جيّدة قبل أن تحمس فتستبعد الحبوب التالفة، ثم تحمس كميّة كثيرة، فيصبح البيت مليئاً بعبق مدهش، وتطحن القهوة ثم تبدأ بطبخها بدلة (التلقيمة) تضيف على الدلة الهيل المطحون والزعفران، وبعد ذلك تدلّلنا بأطيب فنجال قهوة راسخة في ذاكرة الطعم والرائحة.
واليوم نعيش عام القهوة السعوديّة، كموروث ثقافي يجوب العالم بكل اعتزاز وفخر، فأن تجد الشاشات والميادين العالمية تضيء في كل من نيويورك ولندن وروما وباريس، احتفاءً بموروث الأجداد، وتقديراً لأصالة الطعم وعبق الرائحة، فلا شيء يشبه رائحة قهوة سعودية تعبق في ذاكرتنا وتشكّل جزءاً عميقاً في هويّتنا، ومعنىً فريداً لكرم الضيافة، كل ذلك يزيدنا اعتزازاً بقهوتنا السعودية.
إن ثقافتنا السعودية زاخرة بالكثير من التفاصيل التي شكّلت هويّتنا، وتميّزت بالمعاني الرصينة والقيم الإنسانيّة التي نشاركها العالم ونفتخر بها كل حين.
عام 2022 هو عام القهوة السعودية كمبادرة أطلقتها وزارة الثقافة، لتعبّر عن مكنون وتفاصيل هذا الموروث السعودي الأصيل، فهي ليست مجرّد قهوة عادية، بل هي تحمل الكثير من التفاصيل والمراحل التي تمر بها من كونها بذرة إلى أن تصل إلى فنجالك.
فطريقة تحضيرها، وتفاصيل نكهتها، وأوانيها الجاذبة تحاكي الحواس كلها، هي ليست مشروباً دافئاً فقط، بل هي متعة بصرية بفناجيلها ودلالها وأدواتها.
وقد نشأت بيوتنا السعودية بتواجد القهوة السعودية يوميًّا في منازلنا، ترافقها أنواع التمور، فربطت القهوة السعودية الأجيال ببعضها، فكبار السن والشباب والأحفاد يلتفون حولها، ويطلقون العنان لسكب الفنجال تلو الآخر. وفي الأفراح والليالي الملاح، لا بد من قهوة تسكب للحاضرين، لتجد أن القهوة السعودية في أعراسنا هي الإعلان الأجمل لبدء الاحتفال، وحين نريد سلواناً من حزن أصابنا أو فاجعة ألمّت بنا، فإننا نلجأ للقهوة السعودية وكأنها ضمّاد للحظات مؤلمة.
ولأن القهوة السعودة ملهمة في تحضيرها، فقد خرجت وزارة الثقافة بفكرة خلاَّقة باعتبار أن طرق تحضيرها هو معزوفة موسيقية ارتبطت بالنجر، مصدرة أصواتاً ورنيناً عذباً، فحفّزت المبدعين لتقديم معزوفة القهوة.
ألم أقل لكم إنها ليست مجرّد مشروب دافئ، بل هي منبع الإلهام ومشعلة الحواس.
فهنيئاً لنا بعام القهوة السعودية..