د. نوف بنت محمد الزير
انتشرت في الآونة الأخيرة إلى حد كبير ثقافة التصوير التي تتضمن توثيق لحظة ما في حياة أحدهم أو حياة بعض أفراد أسرته، أصدقائه، جيرانه أو أحد المقربين له.
أو مشهد عام تظهر فيه مشاعر لحظية يسعى كثيرون إلى حفظها لاسترجاعها في وقت لاحق تتحرك فيه الذكريات.
وهذا الأمر له دلالاته الحميمة ورصد جميل لموقف يرسخ في ذاكرة صاحب الحدث والمحيطين به، وتحديثه في زمن آخر تَرِدْ فيه ذكريات جميلة، يحب الإنسان أن يعيشها مرات كثيرة بين فينة وأخرى.
ومن اللحظات الجديرة بالتوثيق عند الناس: عودة مسافر، تخرج طالب، قدوم مولود، اجتماع عائلة، سكن بيت جديد، إنجاز عمل، ابتكار، زيارة ضيف عزيز، بهجة عيد، تجهيزات مناسبة، فعاليات مسابقة أو فرحة ختم القرآن أو ما شابه ذلك من مصادر السعادة، فيعيشون الحدث أكثر من مرة، وفي كل مرة تتجدد فيها المشاعر وتتوارد خواطر المشاركة الوجدانية الرائعة لأهل الموقف ومن حولهم، وكأنك تروي القصة من جديد كلما استعرضت صورها وتفاصيلها.
وتتأمل مشاعر الجمال والسعادة والبهجة وتستعرضها في أوقات تحنّ فيها إلى ذكريات وإنجازات الحياة. ومع هذا الكم المتزاحم من المشاعر المبهجة؛ إلا أن بعضهم يغيب عنه احترام الخصوصية الشخصية بتصوير ونشر أمور يجدر أن لا تُصوّر أبداً؛ وفي حال تم تصويرها يجب أن تبقى في ميدان صاحبها،وصاحبها وحده دون أن يطّلع عليها أحد أبداً حتى أقرب المقربين له.
من ذلك ما يحدث من تصوير ليلة الزفاف ودخول العريس على عروسه، وما يصدر عنهما من تفاصيل ومشاعر؛ سيما وأن من يقوم بالتصوير ليس العروسان، وإنما شخص أو مجموعة أشخاص يمثلون فريق التصوير المرشح لتوثيق ليلة العمر، فيحاولون استعراض بعض الحركات والتفاصيل التي هي غاية في الخصوصية ولو لم يرها إلا المصورون فقط لكن هذا خرق كبير لميثاق الحياة في بداية مشوارها، فما بالك بتجاوز ذلك إلى نشرها في مقاطع مجتزأة أو كاملة في شاشات قاعة الاحتفال أو في مواقع التواصل الاجتماعي أو في صفحات المصورين الخاصة أو في حسابات موثقي الاحتفالات بليلة العمر.
كما أنه بدأ ينتشر الآن وبشكل مؤسف ما يحدث من تصوير في غرف الولادة، والذي ابتعد كثيراً عن رصد الفرحة بقدوم مولود جديد، إلى توثيق تفاصيل يُجلّ السمع والبصر عن الاستطراد فيها وجعْل ذلك محل نشر واستعراض ورؤية وتأمل.
وما ينجم عنه من تخصيص مواقع لاستعراض مثل هذه اللحظات والتنافس لإبراز أدق التفاصيل فيها مما تترفع عنه نفوس أهل الفضل والمروءة والحكمة.
مما يفتح على الناس باب المقارنات والمتابعات والتعليقات التي يسبب كثير منها تصدعات اجتماعية ونفسية واقتصادية، وقد ينجم عنها مواقف لا تُحمد عواقبها.
إن الحياة الشخصية والمواقف الخاصة كلما كانت خصوصيتها عالية وميدانها محدود كلما زادت فيها روح الجمال ومشاعر الحب، فحفظها وصونها عن أعين الناس مطلب، وعدم التوسع فيها أمر يجدر أن يكون محل عناية أصحاب الموقف والدائرة القريبة منه.
إن من اللحظات ما تفقد بريقها كلما اتسعت دائرة مشاهدتها ناهيك عن انتشارها.
فما أجمل أن يُعاد النظر والتأمل في مثل هذه الممارسات وما أروع أن نُثمّن إلى حد كبير حياتنا.
وخصوصيتنا بصونها عن أعين الناظرين وحمايتها من انتهاكات العارضين، والتعامل معها باعتبارها كنزا ثمينا يُحفظ ويُصان.
أدام الله بهجتكم وأفراحكم وغمر حياتكم بالسعادة والتوفيق آمين.