خالد بن حمد المالك
كأنهم كانوا في يوم أمس في مأتم باحتفاليتهم، كأنهم في مواكبتهم لعدم التجديد له وخروجه من القصر الجمهوري يريدون أن يغطوا بهذه الاحتفالية على فشله ودوره في ضياع لبنان.
* *
إنها سابقة أن تنتهي ولاية رئيس للبنان باحتفال على ما آل إليه لبنان من انتكاسات وانهيارات في عهده ما لم يشهده أي عهد، فيما عدا عهد ميشيل عون.
* *
ولأن للرئيس عون حزباً، ومن مسؤولياته المعالجة النفسية لرئيس عانى لبنان في عهده ما جعله دولة فاشلة، فكان لابد من هذه التظاهرة التي لن تغطي دور عون فيما آلت إليه الأوضاع من مآسٍ في لبنان.
* *
وهاهو عون يخرج من قصر بعبدا تحيط به أعلام التيار الوطني الحر، وفي المقابل تلاحقه تهمة إجماع اللبنانيين على أن من أضاع لبنان على مدى ست سنوات كان هو هذا الرئيس العجوز.
* *
فماذا يفيد أن تفرش له السجادة الحمراء، وترفع على امتداد الطريق أعلام حزب التيار الوطني الحر، وتكتب عنه من العبارات ما يخالف الواقع عن إنجازات وهمية لم يرها غير حزبه وصهره جبران باسيل.
* *
فقد عانى اللبنانيون في عهده من الجوع والفقر والفساد والعزلتين العربية والخليجية، وانقياده لكسب حزب الله إلى الارتماء في أحضان إيران، والتعاون مع نظام بشار الأسد في قتل شعبه.
* *
وفي عهده أفلست البلاد، وعانى الناس من سوء الخدمات الصحية والتعليمية، وإفشال دور القضاء في ضبط الحقوق والتصدي للجرائم كما حدث في التعامل المسيس مع انهيار مرفأ بيروت، حيث تمّ التستر على الفاعل.
* *
ومن مؤكد المؤكد أن لا شيء في عهده لم يمسه الضرر، السياحة الداخلية، والمساعدات الخارجية، كلها اختفت بسبب سياسة ميشيل عون الذي كان يأتمر بما يمليه عليه نصر الله وجبران باسيل، فأضاعوه وأضاع هو لبنان.
* *
وفي تاريخه، في كل محطات حياته، لم يكن أكثر من جامح باتجاه السلطة لخدمة نفسه، محارب من أجلها إلى أن هزم خلال الحرب الأهلية، فلجأ إلى السفارة الفرنسية لحمايته من غضب الشعب، ومن خصمه النظام السوري آنذاك.
* *
عاد إلى لبنان بعد سنوات النفي القسرية في باريس، ليمد يده إلى عدوه النظام السوري الذي كان وراء إبعاده على مدى عشر سنوات إلى العاصمة الفرنسية، معلناً الولاء والطاعة لبشار الأسد ولحزب الله ولإيران ليضمن رئاسته للبنان.
وهاهو يعود الآن من حيث أتى تاركاً القصر الجمهوري، دون أي إنجاز، بل بعد أن خرب البلاد، وأشاع الخلافات بين اللبنانيين، وأفرغ البنك المركزي من إيداعات المواطنين، مع انهيار الليرة اللبنانية، وإحجام الدول الخليجية عن تقديم المساعدات للبنان.
* *
ولم يكتف عون بكل ذلك، بل إنه وقف في نهاية حكمه ضد تشكيل الحكومة حتى لا تقوم بمسؤوليات الرئيس الكاملة إلى حين اختيار البديل، وذلك إمعاناً منه في جعل لبنان في مهب الريح، والذهاب به إلى المجهول، أو إلى الجحيم.
* *
الاحتفال الوداعي (الجنائزي!) لن يغطي فشل عون، وتآمره على لبنان، وهو أشبه بتوديع جنازة إلى حيث الوجهة نحو قبرها، فليكن هذا الوداع، ولكن التاريخ لن يرحم، وأحداثه لن تُنسى.