عبدالوهاب الفايز
يحق لأهلنا في فرسان أن يفرحوا بالإنجاز الكبير..
ويحق لنا السعادة بمشاركتهم غدًا للاحتفال بدخول فرسان خارطة المناطق العالمية التي تهتم بالإنسان والبيئة، فهذا من المنجزات النوعية المتجددة التي تحققها بلادنا في قطاع البيئة. فتحت رعاية الأمير محمد بن ناصر بن عبد العزيز أمير منطقة جازان نحتفي بانضمام محمية جزر فرسان التابعة للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية إلى (برنامج الإنسان والمحيط الحيوي) التابع لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو)، في شاطئ الغدير بجزيرة فرسان.
هذا الاحتفال يوافق اليوم الدولي لمحميات الإنسان والمحيط الحيوي، ويصاحب الحفل معرضٌ جماهيريًٌّ وأنشطة ترفيهية وثقافية فلكلورية خاصة بجزر فرسان. وهنا نهنىء أهل فرسان على نجاحهم وحرصهم على حماية البيئة، فهذا سهّل وسرّع انضمام المحمية إلى القائمة العالمية، ووضع بلادنا في قائمة الدول التي تحمي الإنسان والبيئة.
والسؤال: ماذا يعني قبول اليونسكو للمحمية؟
الرئيس التنفيذي للمركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية الدكتور محمد علي قربان يوضح أن انضمام محمية سعودية إلى برنامج اليونسكو له أهميته المحلية والعالمية، فهو يبرز، (دور المملكة القيادي في مجال حماية النظم البيئية). والإنسان والمحيط الحيوي برنامج علمي دولي مشترك بين الحكومات تشرف عليه اليونسكو و(يهدف إلى إرساء أسس علميّة لتعزيز العلاقات بين البشر وبيئاتهم. ويمزج بين العلوم الطبيعية والاجتماعية بغرض تحسين سبل حياة البشر وصون النظم الإيكولوجية الطبيعية والمُدارة، وبالتالي تشجيع نماذج مبتكرة للتنمية الاقتصادية تناسب الجانبين الاجتماعي والثقافي).
اليونسكو تهتم بالجزر - رغم أن مساحتها 5 بالمئة من مساحة الأرض - لأنها موئل معظم أنواع الطيور والنباتات في العالم. والسواحل الاستوائية تحوي شعاباً مرجانية تعد من أكثر الأنظمة البيئية تنوعاً بيولوجياً في الأرض، وتؤمن عيش ملايين البشر. وأهميتها للبشرية دفع الأمم المتحدة لتحديد الفترة 2011-2020 عقدًا أُممياً للتنوع البيولوجي، و 2021-2030 عقدًا آخر لاستعادة النظام البيئي. والهدف هو دفع الدول إلى تفادي انقراض 25% من الأنواع النباتية والحيوانية بسبب النشاط البشري.
توحش النشاط البشري تجاه الطبيعة في العقود الماضية نتيجة انفلات الرأسمالية وتنامي متطلبات حياة (خمسة نجوم)، أنتج ظواهر مهددة للبشرية، ففقدان التنوع البيولوجي يؤدي إلى انتشار الأوبئة والأمراض، ورأينا هذا مع وباء كورونا.. والقادم أخطر.
الحفاظ على التنوع الحيوي في الوقت الحالي أصبح في أولويات المجتمع الدولي، فالعالم فقد في العقود الأربعة الماضية ثلث الحياة البرية والبحرية. بيانات المنظمات الدولية تقدر انخفاض الأنواع التي تعيش على سطح الأرض بنسبة 25%، بينما انخفضت الأنواع البحرية بنسبة 28%، والكائنات التي تعيش في المياه الحلوة تراجعت بنسبة 29%. وهذا التراجع في التنوع الحيوي سوف يؤثر على اكتشاف الأدوية وتوافر الموارد الطبية.
الأمر الإيجابي توجه بلادنا القوي إلى حماية البيئة عبر إطلاق المحميات في مختلف مناطق المملكة، بالذات المحميات التي تشكل موطناً للأنواع المهددة بالانقراض عالمياً، بما في ذلك النمر العربي والغزال العربي، فضلاً عن مختلف الأنواع المستوطنة من النباتات. وتَبني الأمم المتحدة لفكرة المحميات هدفها تنمية العلاقة بين الإنسان والبيئة بحيث يكون الإنسان هو الحامي الأول للمحيط البيئي. العالم يحرز تقدماً كبيراً لحماية الحياة الفطرية، فالآن تبلغ نسبة الأراضي التي تغطيها مناطق المحميات 30% من مساحة الأرض.
المحمية الجديدة في فرسان، التي تنضم إلى برنامج الإنسان والمحيط الحيوي، هي البداية للتوسع في تنمية منظومة قطاع البيئة في المملكة، فهذا القطاع عانى ولسنوات طويلة من بعثرة الجهود وقلة المنجزات، ووزارة البيئة في السنوات الماضية تمكنت من إعادة هيكلة القطاع وتطوير تشريعاته، وأوجدت الممكنات المالية والآليات التنفيذية الضرورية التي وزعت المهام والجهود لإحداث التركيز الذي يحتاجه القطاع، ويلبي طموح وتطلعات رؤية المملكة وبرامجها، والأهم: لكي يدفع بالجهود الأهلية والفردية لحماية البيئة.
هذه الجهود تستحق الثناء والتقدير، بالذات التقدير لكل من عمل على بناء متطلبات انضمام المحمية، فهذا الإنجاز ثمرة لتذافر الجهود الحكومية والأهلية التي تعاونت لاستكمال متطلبات الملف الفنية. وهنا واجب الثناء يقدم إلى وزارة الثقافة وإلى (الجمعية السعودية للمحافظة على التراث) التي عملت بالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الحياة الفطرية - بوصفه الجهة المسؤولة عن إدارة المحمية والداعم الرئيس لملف الترشيح فيما يتعلق بالأمور الفنية - على إعداد ملف الترشيح وتحقيق جميع المتطلبات والاشتراطات اللازمة لقبول ملف التسجيل، وهذا تطلب جهداً مكثفاً وزيارات ميدانية لجزر فرسان لتوثيق المعالم المعمارية وإبراز التنوع البيئي والإحيائي الذي تمتاز به فرسان، وتدوين ثرائها الثقافي والطبيعي.
الاهتمام بالبيئة له آثار وطنية متعدية، فحماية الحياة البيولوجية والطبيعة يعد أحد أدوات الدبلوماسية العامة، لأنه يوضع ضمن المؤشرات لقياس التقدم الحضاري للدول والشعوب، وهذا أحد المكتسبات العديدة للحفاظ على البيئة.. سوف نحظى باحترام العالم وتقديره، والأهم: تحقيق عبادة الله ثم عمارة الأرض، الغاية السامية لوجود الإنسان في الحياة.