م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
1. أتابع بشكل متقطع مجلة شهرية توزع مجاناً في لوس أنجلس «المجلة اليهودية» (Jewish Journal) يستعرضون من خلالها وضع اليهود في أمريكا تحديداً.. في هذا العام كانت قراءاتهم متشائمة، فصعودهم المتحكم في أمريكا منذ الحرب العالمية الثانية إلى اليوم صعود هائل الجودة والتمكن والقوة.. فأي عملٍ مرتبط باليهود يجد الحماية، والكل يوقن أنهم سيكونون أمام طرف قوى وهو اللوبي اليهودي الذي يكاد يتحكم بكل شيء من خلال تحكمه بالمال والإعلام والقانون.. وهذا التمكن المهيمن يخيف اليهود من سقوط هائل، كما حصل على يد «هتلر» إبان الحرب العالمية الثانية.. فقد كان الكاسب الأكبر من الحرب العالمية الأولى هم اليهود.. ولم يحمهم ذلك، بل أجج العداء ضدهم.. اليهود لا يريدون تكرار تلك التجربة.. والمعني بذلك العقلاء من اليهود الذين تعلَّموا من الدرس الأول، أما اليهود الشباب فهم في طيش مغرور لا يرون الحياة تدور إلا بهم.
2. من المعروف تاريخياً أن من أدخل اليهود لعالم الصيرفة والمال هم التجار المسيحيون والمسلمون في ممالك جنوب إيطاليا في القرن الخامس عشر.. فهم الذين جلبوهم كوسيلة لتحليل (الربا) المحرّم في الشريعتين المسيحية والإسلامية، فأتوا باليهود كوسيلة لتسهيل عمليات الإقراض.. ومن بعدها أصبح اليهود سادة العمليات المصرفية في العالم.. فأسسوا المصارف وتحكموا من خلالها في التجارة والتعاملات التجارية بين الشرق والغرب.. ثم توسعوا في عالم الصناعة والتجارة حتى سادوا العالم الاقتصادي حتى اليوم.. ثم اتجهوا إلى أمريكا بعد اكتشافها ولم يؤسسوا النظام الاقتصادي وحسب، بل أسسوا مذهباً دينياً تبنته المجتمعات التي نزحت حديثًا من أوروبا كبديل عن مذاهبهم الكاثوليكية والأورثوذكسية والبروتوستانتية وغيرها.. فلم يكن في عقيدتهم تهويد المجتمع الأمريكي الجديد، ولم يسعوا للسلطة فهم أقلية، بل عملوا في الاقتصاد.
3. العقلاء من اليهود الذين عاصروا التجربة القاسية إبان الحرب العالمية الثانية هم الآن على أبواب الانقراض.. واليهود الشباب اليوم يرون أنهم يتحكمون بالعالم.. فأي دولة تريد السلام من الدول العظمى لابد أن يمُر من خلال التعامل معهم.. فهم يرون أنفسهم اليوم في موقع المتحكم.. لكنهم يعرفون أنهم أقلية.. فمثلاً هم في إسرائيل اليوم ستة ملايين يقيمون مع ستة ملايين فلسطيني مُحاطين بثلاثمائة مليون عربي، مُحاطين بمليار ونصف المليار مسلم.. إنهم نقطة صغيرة وسط بحر هائج فهي مهددة بالزوال في أي وقت.. إنهم في موقع الخطر والشعور تجاههم يزداد سوءاً.. وكونهم أقلية فذوبانهم في وسط كل ذلك مسألة وقت.
4. في عدد شهر أغسطس الماضي نشرت المجلة نتائج دراسة أعدتها منظمة «الحقوق الفردية في التعبير» عن حرية التعبير في الجامعات الأمريكية ذكرت فيها أن (64 %) من الشباب اليهودي يواجهون صعوبةً في التعبير عن آرائهم بحرية عن إسرائيل، وهذا أكثر من ضعف النسبة التي كانت قبل خمس سنوات فقط، وكانت (29 %).. كما أن الإحصاءات الصادرة من المؤسسات الاستقصائية والبحثية الأمريكية تشير إلى أن هناك مجاميع في الحزبين الجمهوري والديمقراطي تدعو إلى فك الارتباط الأمريكي بإسرائيل ودعمها المطلق لها الذي يأتي على حساب أمريكا نفسها، وأن عدد هذه المجاميع في ازدياد في الحزبين.. بينما في السابق لم يكن هناك من يجرؤ على إبداء أي رأي لا يروق لإسرائيل، ناهيك أن يكون ضدها.. هذا في أمريكا وحدها أما ما يحدث في بقية دول العالم وبالذات دول أوروبا فهو يشي بالصعود الكبير للنازية الجديدة، والتي لا تزال تحمّل اليهود مسؤولية دمار أوروبا.