صلاح عبدالستار محمد الشهاوي
المرأة: أم وأخت وبنت وزوجة وقريبة وبعيدة وجارة، مع الرجل، أو ضده، له أو عليه، فيها تلك الصفة أو ضدها، نصف المجتمع، وقد تزيد قليلاً في العدد أو تنقص، وقد تكون أهم من الرجل في بعض جوانب الحياة في المجتمع، وقد تكون محور الأمر، وقد تكون على هامشه وأطرافه.
ولمقام المرأة هذا جاء عنها في التراث العربي شيء كثير، وهي في ذلك مثل الرجل لم يدون إلاَّ ما كان طريفاً أو مدهشاً، وفي النصوص التي نسوقها سوف تظهر بعض الصفات والطبائع، وسوف نرى مواقف للمرأة في المجتمع، بعضها حقيق، وبعضها رمز، بعضها حدث، وبعضها خيال، بعضها من الحياة، بعضها خرافة، وما سوف نسوقه قليل من كثير مما تغص به كتب الأدب والتاريخ العربي.
تقية أم علي (505-579هـ) أديبة فاضلة وشاعرة مجيدة مشهورة، كتب عنها الحافظ أبو طاهر السلفي في معجم السفر فقال: «لم أر شاعرة غيرها». وقال عنها صلاح الصفدي: «كانت فاضلة، ولها شعر وقصائد ومقاطيع». وتقية أم علي هي ابنة أبو الفرج غيث بن علي (خطيب مدينة صور وعنده فضل وهو من كبار النحاة والقراء)، ذكر الحافظ أبو طاهر السلفي رحمه الله أن مولدها بدمشق في المحرم سنة خمس وخمسمائة، وتوفيت في أوائل شوال سنة تسع وسبعين وخمسمائة بالإسكندرية، ومن شعرها:
نأيت وما قلبي عن النأي بالراضي
فلا تغترر مني بصدي وإعراضي
وإني لمشتاق إليهم متيم وقد
طعنوا قلبي بأسمر عراضِ
إذا ما تذكرت الشام وأهله بكيت
دماً حزناً على الزمن الماضي
ومذ غبت عن وادي دمشق كأنني
يقرض قلبي كل يوم بمقراضِ
أبيت أراعي النجم والنجم راكد
وقد حجبوا عن مقلتي طيب إغماضِ
فهل طارق منهم يلم بناظري
فإن لقاء الطيف أكثر أغراضي
لعل الليالي أن تجرد صارماً
على البين أو يقضي لها حكم قاضي
ومن أخبارها أنها مدحت الأمير المظفر بقصيدة بدأتها بوصف مجالس الأنس كما كان المعتاد لدي شعراء عصرها فأعجب بها الأمير، ولكنه تبسط مع بعض خاصته فقال: لا شك أن الشيخة تعرف هذه المجالس من صباها فوصفتها هذا الوصف البديع! وطارت الكلمة إلي الشاعرة العالمة الحصيفة، فغضبت لنفسها غضباً مهذباً مفحماً، فأنشأت قصيدة حربية تصف فيها حلبة الهول واصطدام الأسنة، واشتجار الرماح وصفاً رائع المنحي جيد الصورة، ثم تقدمت بها إلي الأمير المظفر قائلة في أدب جمّ: إن علمي بمجالس الأنس كعلمي بحلبات القتال، فأطرق الأمير معتذراً.
هذه امرأة فاضلة أديبة شاعرة حكيمة مهذبه، مدحت الأمير المظفر بقصيدة رقيقة تصف فيها مجالس الأُنس وصفاً بليغاً جيداً، فأعجبت القصيدة الأمير ولكنه تبسط مع بعض خاصته في الحديث عنها، ووصلها قوله، فانبرت تثبت له ولمجمتع الأدباء معرفتها بقصائد الحماسة والقتال، تقدمت بالقصيدة لمجلس الأمير، قائلة له في أدب جمّ: إن علمي بمجالس الأنس كعلمي بحلبات القتال، فأطرق الأمير معتذراً.
** **
- عضو اتحاد كتاب مصر