محمد بن عيسى الكنعان
إذا أردت أن تقيس مكانة الدول عالميًّا، ودورها الإقليمي، وحضورها الدولي، فلا يكفي أن تنظر إلى وضعها الاقتصادي، أو استقرارها السياسي، بدلالة أن هناك دولًا صغيرة تتمتع بهاتين الميزتين، مستقرة سياسيًّا وثرية اقتصاديًّا، ولكنها على الهامش، إنما المقياس في التأثير العالمي لهذه الدولة أو تلك، الذي يتجلى عند النزاعات العسكرية، وفي الأزمات الدولية؛ حيث ينظر العالم أجمع إلى تأثير قرارات هذه الدولة، وإلى أي مدى يصل وأبعاد مواقفها، وقوة حضورها، ووضوح مسارها في المشهد العالمي. والمملكة العربية السعودية تتمتع بمكانة عالمية مرموقة، وريادة إقليمية جليّة، فإضافةً إلى كونها قلب العالم الإسلامي، ومركز القرار العربي، والعمق الاستراتيجي للخليج، وعضو مجموعة العشرين، واللاعب رقم واحد في أسواق الطاقة العالمية، فإضافةً إلى كل ذلك هي تملك خاصية التأثير الدولي، ما يجعلها كبيرة في مصاف الدول الكبرى، لذلك عندما تتحدث السعودية - ممثلةً بقيادتها الرشيدة - يستمع العالم أجمع وبإنصات.
لا أقول ذلك كوني (سعودي) ولا فخر، وأنتمي لهذا الوطن العظيم، أو أقول ذلك من باب المبالغة، إنما الواقع المعاش يشهد بذلك، فضلًا عن التاريخ، الذي سِجل أحداثه يُبرهن على أن السعودية كانت ولازالت شامخة الكيان في السماء، راسخة البنيان في الأرض إزاء كل العواصف السياسية والظروف المتقلبة، التي مرت بمنطقة الشرق الأوسط، ناهيك عن موجات التهديدات من إرهاب وغيره، ولماذا نبتعد كثيرًا ونُسهب بالتاريخ، والحاضر يتحدث اليوم - وبطلاقة كل اللغات - عن دور المملكة الفاعل، وتأثيرها الدولي في القضايا التي تشغل العالم اليوم، ولعل أبرزها الأزمة الأوكرانية الروسية، فما إن اندلعت هذه الأزمة مطلع العام الحالي 2022م، حتى تسابقت عواصم المعسكر الغربي والموالون له نحو الرياض عاصمة القرار العربي والصوت الإسلامي، وهي تحاول أن تُقنع المملكة بالاصطفاف مع الدول التي اتخذت موقفًا رسميًّا في فرض عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا، مع دعم أوكرانيا بالمال والسلاح، وذلك بحكم تأثير المملكة بسوق الطاقة العالمية وقيادتها لمنظمة أوبك خبرةً ودرايةً، وتأكيد الاستمرار بالعمل في اتفاق (أوبك بلص)؛ إلا أن المملكة اتخذت موقفًا حكيمًا متوازنًا بين كل أطراف النزاع وبالذات بين روسيا وأوكرانيا، بل إن هذا الموقف الحكيم المتزن جعلها تحظى بكل التقدير والاحترام من الجانبين، بدلالة أنها لعبت دورًا في الوساطة لإنهاء الأزمة، وكذلك في تسليم بعض الأسرى لدى الروس ممن راح ضحية الحرب.
لقد عمل الإعلام الغربي وبالذات الأمريكي بالتماهي مع مواقف الإدارة الأمريكية والحكومات الأوروبية في محاولة الضغط على موقف المملكة المتزن بما يخص إنتاج النفط نظرًا لانعكاساته على الأزمة الأوكرانية، وذلك من خلال شن حملات إعلامية ضد المملكة وقيادتها، وتفسير موقفها المتزن بأنه انحيازٌ للصف الروسي، بينما أكدت المملكة في تصاريحها ومواقفها أنها تتعامل وفق سياسة تقوم على التحرك بمساحة واحدة من الجميع، مع التزامها الكامل بالمواثيق والأعراف الدولية في الأزمات والنزاعات، إلى جانب التزامها المعهود بكل الاتفاقيات للمحافظة على استقرار أسواق الطاقة، بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين.
إن المملكة دولة كبيرة في قدرها، وعظيمة في تأثيرها؛ لذا هي تمارس سياساتها وفق هذا الإطار، وعندما يتحدث الكبار العالم يستمع.