عطية محمد عطية عقيلان
تقول الحكاية إنه تم الاتفاق بين مقيط الذي يجيد الصيد، ومرافقه بشر على مرافقته ومؤانسته ومساعدته في صيد فراخ الصقور مقابل قسمة متفق عليها بينهما، وعند وصولهما لمكان وجود الفراخ في منطقة منحدرة، بدأ مقيط ووضع الحبل على وسطه، والنزول باستخدام الرشا (وهي نوع من الحبال الغليظة القوية)، وبشر يمسك بالرشا ويدليه من فوق، حتى وصل الوكر ليبشره بوجود ثلاثة فراخ، فيسأله بشر عن كيف ستكون القسمة؟ ليجيبه متناسياً أنه في وضع لا يسمح له بالتلاعب بما تم الاتفاق عليه، فقال: النادر لي، والشبيط لابن عمي، وتبيع المفرخة لك، فرد عليه بشر ليس هذا اتفاقنا، وطلب منه أن يراجع نفسه، ويحكم عقله وبالعدل والإنصاف، ولكن مقيط لم يرتدع ويعود لما اتفقوا عليه، ويتباهى بأنه من يعمل ويخاطر ويبذل الجهد، مع إصراره بعدم العدول عن الظلم في هذه القسمة، ليقوم بشر برمي الحبل ويقول له، أجل «يا مقيط دوك رشاك»، ليهوي ويهلك في الوادي هو والفراخ، وهذه القصة سواء كانت حقيقية أو متخيلة، تحكي واقعاً نعايشه أو حصل معنا أو نراه في المحاكم والحكايات وما يتم تداوله حتى بين الأولاد عند تقسيم الميراث، ويمكن إسقاطها على جانبين من الحياة العملية، وهما:
- الجانب الأول: نستفيد منه مع من يدعي المعرفة والقدرة على الإنجاز وتنفيذ العمل، كصاحبنا مقيط، وكيفية صيد فراخ الصقر، فتعطى له الأدوات المساعدة لتحقيق الإنجاز الذي يدعيه، وقد ينطبق عليهم الجانب التنظيري والقدرة الكلامية وعرض البيانات، ولكن عند الامتحان الحقيقي، ينكشف ويفشل فشلاً ذريعاً، لأنه ترى منه كما يقال «أسمع جعجعة ولا أرى طحناً»، لذا تستوجب أن تكون التجربة العملية هي المحك الجلي للأمانة وتطبيق ما يدعي قوله، ترى لا يهوي كمقيط في الهلاك وإن كان متأخراً، وينطبق عليه المثل عند عدم إنجازه ما وعد به سواء من عدم قدرة وإمكانيات أو من تغيير ما وعد به لضعف إمكانياته العملية عكس الكلامية.
- الجانب الثاني: ما يحصل عند تغيير النية في الاتفاقات سواء كانت مكتوبة بعقود أو شهادات الشهود، أو من خلال الاتفاق الذي عادة يجري بين الأقارب والأصدقاء، لن تصمد مهما كانت أهمية الوفاء بالاتفاقات والالتزامات والوعود المقطوعة، إذا كان الطمع والجشع مرافقة لها، ومهما تم من اتفاقيات وعقود لن تحمي الآخر، في حال الشريك الطماع والجشع، من النكث بوعوده أو ما تم الاتفاق عليه، وللأسف لا يمكن اكتشاف كذب أو خداع الشخص إلا بعد تجربة، وقد تحتاج إلى عشرات السنين، بل قد لا ينكشف تلاعبه أو استغلاله للثقة والأمانة، لأنه يجيد الدور في تمثيل النزاهة والأمانة والإخلاص، وجل من يقومون بذلك، يتشاورون مع شركائهم في «التحليل» من بعض الهدر أو الهدايا البسيطة، ليوهموهم بمدى حرصهم وأمانتهم، ولكنه مثل مقيط، عند وجود غنائم في وكر الصقر، يأخذ لنفسه وأقاربه الأفضل، ويبرر أنه من خاطر وتعب وبذل الجهد، متناسياً ما تم الاتفاق عليه، وقد لا يكون للشركاء الخيار مثل بشر، بأن يرموا له حبله «رشاه» ويهلك، ويعرف قيمة ما قدم له من الشركاء وأنه بدونهم سيهلك أو يعود كما كان عاملاً زراعياً بسيطاً أو باحثاً عن الصيد، ومهما عمل من خير، لن يكفر عن الحقوق التي اختلسها، فلنحرص أن لا نكون مثل «مقيط «نتغير ونتلون ونطمع ونبرر حسب مصلحتنا المادية بعيداً عن الأمانة والحق.
خاتمة: يقول الشاعر العباسي «أبوالعتاهية»:
حَسبُكَ مِمّا تَبتَغيهِ القوتُ
ما أَكثَرَ القوت لِمَن يَموتُ
إِن كانَ لا يُغنيكَ ما يَكفيكا
فَكُلُّ ما في الأَرضِ لا يُغنيكا