د. أبو أوس إبراهيم الشمسان
للاسم بعد (خلا وعدا) حالان: الجر والنصب، يقال: جاء القومُ خلا زيدٍ، ويقال: جاء القومُ خلا زيدًا، وعدَّ النحويون (خلا وعدا) في حال الجر حرفي جرّ بلا خلاف، ولكن الإشكال يأتي في حال النصب؛ وذلك أنهم جزموا بأن (خلا وعدا) فعلين، وتتأكد الفعلية عندهم إن دخلت (ما) عليهما.
و(ما) هذه عدَّها سيبويه اسمًا موصولا(1)، وتابعه في ذلك ابن السراج(2)، وأما جمهرة النحويين فعدوا (ما) حرفًا موصولا.
ويعاند تمحض (خلا وعدا) للفعلية بعد (ما) قول الجرمي، قال ابن مالك «وتعين النصب مع (ما) هو مذهب الجمهور. وحكى الجرمي الجرّ مع (ما) عن بعض العرب، حكاه في كتاب (الفرخ)»(3). وزعم العكبري أن الفارسيّ أجازه قال «وَأَجَازَ أَبُو عليّ فِي كتاب الشّعْر أَن تكون (مَا) فِي (مَا عدا) زَائِدَة فتجرّ مَا بعْدهَا وَتَابعه الربعِي على ذَلِك»(4). والذي يفهم من قول الفارسيّ أنّ (ما) زائدة في حال النصب، قال «فإن قلت: فلم لا تجعله [أي: بلهَ] المصدر، لأنّ المصدر قد وقع في الاستثناء، في قولك: أتاني القومُ ما عدا زيدًا، والتقديرُ: مجاوزتهم زيدًا، فهو مصدرٌ؟ فإنه يمكن أن يقال: إن (ما) زائدة، وليست التي للمصدر، و(عدا) إذا قدرّت زيادة (ما) كان جملةً»(5). وقوله «و(عدا) إذا قدرّت زيادة (ما) كان جملةً» دليل على أنه يعد (عدا) فعلا بعد (ما) الزائدة لا حرف جرّ.
واقتضى عدّ النحويين (عدا وخلا) فعلين أن يقدروا لهما فاعلاً، ومع (ما) كونها مع الفعل مصدرًا مؤوّلاً حالاً، قال العكبري «وأمَّا (مَا عدا) و(مَا خلا) فأفعال كلّهَا لِأنَّهَا صلات لـ(مَا)، وَلاَ تكون الْحُرُوف صلَة، وَالْفَاعِل فِيهَا مُضْمر، وَمَوْضِع (مَا) وصلتها حَال كَقَوْلِك: قَامَ الْقَوْم مَا عدا زيدًا، أَي: عُدُوَّ زيدٍ، والمصدر هُنَا حَال، أَي متجاوزين زيدًا»(6). ومن المشكلات أن (خلا) ليس بفعل متعدّ، قال السيرافي «فأما (خلا) فإنها لا تتعدى إلى مفعول إلا في الاستثناء، فإذا قلنا: ما مررت بامرأة خلت هندًا فهو على خلاف ما عليه لفظ (خلا) في التعدي»(7).
ونخلص من جملة ما سبق إلى ما يأتي:
1-يجر بـ(عدا وخلا) مجردين من (ما) أو معها، تقول: جاء القوم عدا زيدٍ، وجاء القوم ما عدا زيدٍ.
2-يمكن أن تكون (ما) زائدة إنْ جرّ (عدا) ما بعده أو نصبه، تقول: جاء القوم ما عدا زيدٍ (ما زائدة)، وتقول: جاء القوم ما عدا زيدًا (ما زائدة).
ولنا أن نسأل: لم ساغ عد (عدا وخلا) حرفي جر عند الجر ولم يعدّا حرفي نصب عند النصب؟ أليس القول بحرفيتهما جرّا أو نصبا أقرب إلى وصفهما السياقي؛ إذ هما أداتا استثناء، أي هما حرفان من حيث الوظيفة، وبهذا لا يلزمنا تقدير فاعل أو تقدير مصدر وتأويل لا يسعد المعنى.
والذي أنتهي إليه أن (عدا وخلا) حرفان للاستثناء وأنّ للعرب في استعمالهما طريقين فمنهم من يجربهما ومنهم من ينصب بهما فإن دخلت (ما) فهي زائدة.
وأنبه إلى أنه قد ترد في السياقات (ما) متبوعة بالفعل (عدا) ولا يكون ذلك من الاستثناء، فقد تكون (ما) استفهامية أو نافية أو اسمًا موصولاً، أو شرطية أو مصدرية أو زائدة بعد (إذا) ونحوها.
** **
(1)سيبويه، الكتاب، 2: 349.
(2)ابن السراج، الأصول في النحو، 1: 287.
(3) ابن مالك، شرح الكافية الشافية، 2: 722.
(4) العكبري، اللباب في علل البناء والإعراب، 1: 311.
(5)الفارسي، كتاب الشعر أو شرح الأبيات المشكلة الإعراب، ص: 25.
(6) العكبري، اللباب في علل البناء والإعراب، 1: 308.
(7)السيرافي، شرح كتاب سيبويه، 3: 97.