د.رفعة بنت موافق الدوسري
يعرف المنظر الإستراتيجي (كلاوزفتز) الحرب بأنها استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وبلغة أخرى.
تعد السياسة إحدى أكثر الممارسات الإنسانية تعقيداً وتشابكاً، إذ يمتلئ الفضاء العمومي السياسي باتجاهات وأهداف مختلفة، تصل فيه درجة الاختلاف إلى التناقض والمعارضة والمواجهة، الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في تشكيل لغة الخطاب السياسي وإستراتيجياته، فهي لغة يختلط فيها الوصف بالتقييم، والتدوين بالأمر، والترغيب بالمنع، والرصد بالتوصية، كما أنها لغة تقتبس من العلم والدين والتاريخ، كما تقتبس من التكنولوجيا والشعر مثلما تقتبس من الفن والأسطورة، مما يشكِّل فضاءً معرفياً وتواصلياً يتسم بالثراء والتشاكل، والغموض أحياناً، وقيل: بل يعد الغموض شرطاً في الخطاب السياسي، فيترك دائماً إمكانيات متعددة للتأويل بتفاديه الوضوح، فيكون الخطاب مفتوحاً على القراءات والتأويلات، فيتحول الخطاب السياسي الواحد، أو التصريح المقتضب لأحد الزعماء في الحقل السياسي مادة للعديد من المقولات والتحليلات والاستنتاجات المرتبطة بالساسة وفضاء الخطاب، وظروف المرحلة والتلقي، الثقافية والسياسية والتاريخية والإستراتيجية ...
فالخطاب السياسي يعالج الأمور المتعلّقة بالشؤون المحلية والدولية، والأحداث السياسية والاجتماعية والفكرية، ويتأسس التفاعل في الخطاب السياسي على مدى قوة المرسل في حمل الآخرين على الاقتناع بأهدافه بواسطة الكلمات، وذلك بقوة تجعل أغراضهم وأفكارهم الخاصة تنصرف عن اتجاهها، لتتبع أفكاره وأهدافه، فهو يسعى دائماً إلى تحقيق الفعل السياسي، الذي يمثِّل سيرورة بحث دائم عن قرار ما (قرار الحرب أو السلم في الخطاب السياسي المرتبط بالعلاقات الدولية، السياسة الأنجع لتدبير الشأن العام ...) فاتخاذ القرار يشكِّل القاعدة المحركة لكل فعل سياسي؛ إذ إن المحرك الرئيس لكل إستراتيجية سياسية ليس شيئاً آخر غير القرار، حيث يمثِّل الخطاب دوراً مميزاً.
فالخطاب السياسي على هذا النحو نسق يجمع بين مجالات عدة، فهو في طبيعته السجالية مجال لتبادل الرسائل، وفي طبيعته التناظرية مجال للصراع، بوصفه مجالاً لتبادل رسائل متعارضة، وهو مجال لإعادة صناعة الوجود الاجتماعي، عبر إعادة بنينة الواقع وصناعته من جديد، ومن ذلك أطراف الخطاب، ففي التواصل السياسي لا يحتفظ أطراف الخطاب بموقعيهما، بل يتحولان إلى مؤسسات سياسية واجتماعية.