د. فهد بن عبدالله الخلف
المركّب في النحو العربيّ هو: «قول مؤلّف من كلمتين أو أكثر لفائدة، سواءٌ أكانت الفائدة تامّة نحو: النجاح في الاجتهاد أم ناقصة نحو: قلعة بعلبكّ، وإنْ تدرس»(1)، وهذا التعريف لجميع المركبات في اللغة العربيّة سواء أكانت أعلامًا أم غير أعلام، وسواء أكانت مفيدة فائدة يحسن السكوت عليها أم لا. ومفهوم العلم المركّب في العربيّة هو ما تكوّن من كلمتين أو أكثر، وهو على ثلاثة أقسام هي: المركب تركيبًا إضافيًّا الذي يتركّب من مضاف ومضاف إليه نحو: عبد الله وعبد العزيز، والمركب تركيبًا إسناديًّا، وهو الذي يتركّب من جملة سواءٌ أكانت جملة فعليّة نحو: فَتَحَ اللهُ، وسرّ من رأى أم اسميّة نحو: الخيرُ نازلٌ (إذا كانت علمًا على شخص)(2)، ويعلّق الأبناسيّ (ت803هـ) على العلم المركّب تركيبًا إسناديًّا بقوله: «ولم يُسمَع في الجملة الاسميّة كزيدٌ منطلقٌ، والقياس جوازه»(3)، والعلم المركّب تركيبًا مزجيًّا، وهو ما تركّب من كلمتين اختلطتا باتّصال الكلمة الثانية بنهاية الكلمة الأولى حتّى صارتا كأنّهما كلمة واحدة، وذلك من جهة أنّ الإعراب والبناء يكونان على آخر الكلمة الثانية غالبًا، أمّا آخر الكلمة الأولى فيبقى على حاله قبل عملية التركيب نحو: بعلبكّ، وبورسعيد، وسيبويه، والعلم المركب تركيبًا تقييديًّا، وهو العلم المركّب من صفة وموصوف نحو: البدر المنير (إذا أطلق علمًا على شخص)، والمركّب التقييديّ الذي عدّه النحويّون ملحقًا بالعلم المفرد(4).
وهناك مركبات أخرى في اللغة العربيّة نحو: المركب البيانيّ الذي يشمل المركب البدليّ المكوّن من البدل والمبدل منه، والمركب التوكيديّ المكوّن من المؤكَّد والمؤكِّد، والمركّب الوصفيّ المكوّن من الصفة والموصوف، والمركّب العدديّ، وهو من العدد أحد عشر إلى العدد تسع عشر، والمركّب العطفيّ المكوّن من المعطوف عليه وحرف العطف والمعطوف(5)، ولكنّ هذه المركّبات لا تدخل في بحثنا؛ لأنّها مركّبات غير عَلَميّة. والذي يهمّنا في هذه المقالة هو المركّب المزجيّ العَلَميّ فقط نحو: حضرموت، وبعلبكّ، وتاج محل، وغيرها، وهذا يُخرج المركّب المزجيّ غير العَلَميّ مثل: الظروف المركبّة نحو: صباحَ مساءَ، وبيتَ بيتَ، ويُخرج أيضًا المركّب المزجيّ العَلَمي المختوم بالصوت (ويه)؛ لأنّ المشهور فيه بناؤه على الكسر.
ويرى كثير من النحويّين أنّ المركّب المزجيّ يجوز في إعرابه ثلاثة أوجه هي الأوّل: إعرابه إعراب الممنوع من الصرف نحو: جاءني بعلبكُّ، ورأيتُ بعلبكَّ، ومررتُ ببعلبكِّ، والثاني: بناؤه على الفتح نحو: جاءني بعلبكَّ، ورأيتُ بعلبكَّ، ومررتُ ببعلبكَّ، والثالث: إعرابه إعراب المتضايفين نحو: جاءني حضرُموتٍ(6)، ورأيتُ حضرَموتٍ، ومررتُ بحضرِموتٍ(7). والتساؤلان اللذان يطرحهما التوجيه الإعرابيّ الثالث للمركّب المزجيّ هما التساؤل الأوّل: هل يظلّ المركب المزجيّ نحو: حضرموت، ومعد يكرب مركّبًا مزجيًّا مع جواز إضافة صدره إلى عجزه؟ الذي يبدو لي أنّه يخرج عن المركّب المزجيّ إلى المركّب الإضافيّ؛ لأنّ الجزء الأوّل من المركّب يعرب إعراب المضاف، وهو بحسب موقعه من الإعراب، ويعرب الجزء الثاني من المركّب مضافًا إليه مجرورًا.
والتساؤل الثاني: هل يوصل الجزء الثاني بالجزء الأوّل في كتابة الكلمات الموصوفة بالتركيب المزجيّ بعدما قرّرنا أنّها مركّبات إضافيّة لا مزجيّة؟ الذي يظهر لي أنّ الكلمات التي تُوصَف عند كثير من النحويّين بأنّها مركبة تركيبًا مزجيًّا يجب فصلها في الكتابة؛ لأنّها في حال إعرابها إعراب المتضايفين ستخرج من وصف التركيب المزجيّ إلى وصف التركيب الإضافيّ، فتكتب نحو: (بعلُ بكٍّ، وحضرُ موتٍ) مفصولةً، وليست موصولةً.
وفي الختام هذا ما هداني إليه الله -سبحانه وتعالى- ثمّ اجتهادي في محاولتي للإجابة عن هذين التساؤلين، ومن له رأيٌ مغاير فإنّي أرجو أن يزوّدني به مشكورًا مأجورًا.
** **
الحواشي:
(1) بركة، بسّام، شيخاني، ميّ: قاموس المصطلحات اللغوية والأدبيّة عربيّ-إنكليزيّ-فرنسيّ، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى، 1987م، ص354.
(2) انظر بركة، بسّام، شيخاني، ميّ: قاموس المصطلحات اللغوية والأدبيّة عربيّ-إنكليزيّ-فرنسيّ، ص281.
(3) الأبناسيّ، إبراهيم بن موسى: الدرّة المضيّة في شرح الألفيّة، تحقيق: عبد الله الشلال مكتبة الرشد، الرياض، المملكة العربيّة السعوديّة، الطبعة الأولى، 1443ه/ 2022م، جـ1، ص199.
(4) انظر بركة، بسّام، شيخاني، ميّ: قاموس المصطلحات اللغويّة والأدبيّة عربيّ-إنكليزيّ-فرنسيّ، ص281.
(5) انظر بركة، بسّام، شيخاني، ميّ: قاموس المصطلحات اللغوية والأدبيّة عربيّ-إنكليزيّ-فرنسيّ، ص354، ص355.
(6) تمثيل ابن عقيل هنا يُثير الاستغراب، فالمعروف أنّ حض رموت اسم لمدينة في اليمن، فكيف يُسنَد الإتيان إلى مدينة حضرموت؟! إلّا إن كان مُسمًّى به شخصًا فهذا جائز، ولا يقال في ذلك: إنّه مجاز عقليّ؛ لأنّ الأمثلة النحويّة توضيحيّة لا تحتمل الحمل على التجوّز في الإسناد.
(7) انظر ابن عقيل، عبد الله بن عبد الرحمن: شرح ابن عقيل على ألفيّة ابن مالك ومعه منحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل لمحمّد محيي الدين عبد الحميد، دار الطلائع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 2009م، جـ1، ص60.