د. مسعد بن عيد العطوي
وقد ورد لفظة التداول عند النقاد العرب، فأوردها الجاحظ فقال: (وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ...) الجاحظ، البيان والتبيين1 ص76 وما بعدها. ويقول (وعلى قدر وضوح الدلالة وصواب الإشارة وحسن الاختصار ودقة المدخل يكون إظهار المعنى).
وكلما كانت الدلالة أوضح وأفصح كانت الإشارة أبين وأنور كان أنفع وأنجع والدلالة الظاهرة على المعنى الخفي هو البيان) 1/75 البيان والتبيين.
ثم أوردها العسكري المتوفى 395هـ في كتاب الصناعتي فقال عنها (وقد أطبق المتقدمون والمتأخرون على تداول المعاني بينهم؛ فليس على أحد فيه عيب إلا إذا أخذه بلفظه كله فأفسده) ص203 قال عن تداول المعني والألفاظ (ليس لأحد من أصناف القائلين غنى عن تناول المعاني ممن تقدمهم والصب في قوالب من سبقهم). ونقل عن علي ابن أبي طالب قوله (لولا أن الكلام يعاد لنفد)202 كتاب الصناعتين وهذا يدل على سبق الأول لمصطلح التداولية، فقد تحدث العسكري في كتابه عن السرقة وهو يرى أن لا عيب فيها إلا بشروط قاسية.
-التداولية: هي ظاهرة الانتقال اللساني وتشكيلاته التركيبية، وتلونه بألسنة الأداء الفردي. وشرائح المجتمع، ولغة كتاب الإنشاء وأداء الأسواق والشعبية وتتبع الاختلاف في الأداء وكيفية الاتصال والتواصل بالتمازج اللغوي. وتصنيف الأداء من الأفرد وتتبع ألفاظها وبين أقاليمها، وشرائح مجتمعاتها بلحن القول، الذي يشد المتلقين قبولاً مباشرًا أو تأملاً أوثقلاً على اللسان، وقد عرفها (الباحث «الجيلالي دلاش» بكونها «تخصّص لساني يدرس كيفية استخدام الناس للأدلة اللغوية في صلب أحاديثهم وخطاباتهم، كما يُعنى من جهة أخرى بكيفية تأويلهم لتلك الخطابات والأحاديث»).
-- ويعرِّفُ أحدُ العلماء التداولية بقوله: «هي دراسة اللغة التي تركز الانتباه على المستعملين وسياق استعمال اللغة بدلاً من التركيز على المرجع، أو الحقيقة، أو قواعد النحو»، (والتداولية يتشكل فيها سائر النظريات اللسانية وتجول في حراك المجتمعات وبين العلماء ويواصل توضيح مفاهيم التداولية: «هي علمٌ يتَّصل بظاهرة اللسانية؛ حيثُ يُعنى بدراسة الكلام وما يتعلق به من سياق لغوي وغير لغوي لتحقيق كمال الاتصال بين المتكلم (المرسل) والمستمع (المستقبل)». وهي بذلك ضاربة بسهم في علوم شتى؛ كالنحو، والصرف، والدلالة،.. الخ. ومن الواضح أن تعريفات التداولية جميعها ترتبط بفكرة الاستعمال التي ربما تردَّدت في التعريفات جميعها بشكلٍ أو بآخر، فالتَّداوليَّةُ هي التي تدرسُ استعمالَ اللُّغةِ في السِّياقِ، وتوقفُ شتى مظاهر التَّأويل اللغوية على السِّياقِ، فالجملةُ الواحدةُ يمكنُ أن تعبّر عن معاني مختلفة أو مقترحات مختلفة من سياق إلى سياق) التعريف بالتداولية للأستاذ عبد الله أحمد جاد الكريم.
التداولية: يقول الباحث المغربي طه عبد الرحمن رائد التداولية عند العرب: «إني وضعت هذا المصطلح - يعني التداولية - منذ سنة (1970)، في مقابل (pragmatique) ولو أن التداوليين الغربيين علموا بوجود هذه اللفظة في العربية لفضلوها على لفظة (pragmatique)، لسبب واحد، وهو أنها لا توفي بالمقصود من علم التداول، فلفظة التداول تفيد في العلم الحديث الممارسة... وتفيد أيضًا التفاعل في التخاطب... ثم إضافة إلى ذلك أنها من مادة واحدة ولفظة الدلالة نفسها، يعني أن التداول سوف يرتبط بالدلالة, فإذن هذا هو التبرير العلمي الأولي لمصطلح التداول»وقد تابعه الباحثون في المشرق والمغرب في استعمال هذا الاصطلاح). المرجع السابق.
- ومن أقرب التعاريف والمفاهيم إلى استيعاب التكوين اللغوي في منهجية الاستنباط ووضع المعايير اللغوية تعريف مسعود صحراوي عرفها بأنها: (هي إيجاد القوانين الكلية للاستعمال اللغوي والتعرف على القدرات الإنسانية للتواصل اللغوي)المرجع السابق.
كما قد تُعرّف من وجهة نظر المتكلم بأنها: «كيفية إدراك المعايير والمبادئ التي توجه المرسل عند إنتاج الخطاب، بما في ذلك استعمال مختلف الجوانب اللغوية، في ضوء عناصر السياق، بما يكفل ضمان التوفيق من لدن المرسل إليه عند تأويل قصده، وتحقيق هدفه») أحمد سالم عوض حسان، (التداولية بين المفهوم).
- والتداولية اللغوية العربية نشأت مع رواية الشعر بالمشافهة؛ فهم يتناقلون الشعر بالرواية عن بعضهم، واستمرت تلك وسيلة التواصل حتى وظفوها لتداول القرآن الكريم، ثم جاءت مرحلة التدوين وتعدد الرواية للمفهوم المعنوي الواحد وتناقلوا الشعر وبدأ مرحلة وضع القواعد والمناهج التي استنبطوها وقد بدأ ترويضها وتذليلها مع الخليل ابن أحمد وسيبويه والكسائي، ثم جاء الخلاف والحوار بين مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة وهم الذين جعلوا التطبيق على توضيح الآيات القرآنية والتدليل بالمفهوم على الدلالات التفسيرية ثم الأحكام الشرعية: وبهذا التداول للنص وتحليله ووضع قواعده والتواصل اللساني بين البشرية ندرك أن فهوم التداولية تشكَّل قديمًا ولكن مصطلحها توالد في القرن التاسع عشر مع اللسانيات المعاصرة عند الأوربيين ثم العرب. والنقاد العرب بعضهم عاد إلى التراث وأدرك أن الجذور والممارسة موجودة في التراث وبعضهم اكتفى بالاتباعية لما استحدثه الغرب ولم يلتزم بالمنهج العلمي الذي يبحث في التركم المعرفي ويمحصه.
- مظاهر التداولية:
- التواصل والرواية بالمشافهة.
- الحوار حول اختلاف الرويات والتعليل لها.
- مرحلة جمع المتشابه وكثرة تداوله لقابلية الاستنباط منه ووضع مناهج علمية له ثم وضع المعيارية وتداولها، وتثبيت القواعد للغة والنحو واستنتاج الدلالة البلاغية.
- تبحث في التصريف اللغوي الذي يجاري اشتقاقات الكلمة وما يطرأ عليها من زوائد الحروف وما يطرأ من تأثرها بالتشكيل النحوي.
- تبحث في المضمون وتداوله في البيئات الأدبية وشرائح المجتمع كاللهجات أو دلالات الكلمات والسياقات النصية وما يتولد عنها. والقارئ للدرسات الغوية والنقدية والتاريخ المعرفي والمنهجي يدرك أن التداولية عربية النشأة ولا تضاد مجاورتها وموازاتها لما في اللغات الأخر بل الهدف هو التكامل البحثي المعرفي.
** **
- تبوك.