خالد بن عبدالكريم الجاسر
مَن يقول إن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت أخطأ في مفهومها، إذ كانت أول طلائع أعمالها في المجال السيبراني وفي أوكرانيا، ليزداد قلق المُحللين والاقتصاديين كالأمريكي، «نورييل روبيني»، الذي تنبأ بأزمة عام 2008، أن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت بالفعل، بينما كان في إيطاليا في السبعينيات من القرن الماضي لم يكن مضطرًا إلى القلق بشأن حرب بين الدول الكبرى أو شتاء نووي، ولم يسمع عبارات «تغير المناخ» و»جائحة عالمية»، لتقبع منطقة اليورو حاليًا «في حالة ركود فعلي»، مع تدهور الاقتصاد البريطاني، وضغوط أميركا على دول أوروبا فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي مع الصين، لاسيما بعد انتشار اليوان وارتفاعه أمام عدوه «الدولار».
إنها أطروحات الحرب لا تعرف تفاصيلها إلا بعد قيامها، فتخيل سيناريو يهتز فيه العالم بحرب من أوربا حيثُ أوكرانيا، ثُم آسيا حيت تايوان والصين، وحيثُ الهند وباكستان، وأخيراً حروب الشرق الأوسط (إيران وقبولها كدولة على عتبة النووي)، ليقلق العالم ببشريته من سخافة العقل البشري ومخاوفهم، التي قد يُكررها التاريخ بنفس أخطاء عقول لا تعتمد إلا على مبدأ الغاب الذي يأكُل بساتينه ورياضه الغنية، فلا يمكن لأميركا التصعيد على ثلاثة مسارح عسكرية دفعة واحدة، بدليل أن الأيديولوجيات العنصرية المختلفة التي حفزت ألمانيا النازية وإمبراطورية اليابان وإيطاليا بقيادة موسوليني كانت غير متوافقة، ولم يكن توقيع برلين وروما وطوكيو على ميثاقها الثلاثي عام 1940 سوى مجرد اتفاق فضفاض لتفجير النظام الحالي وبناء إمبراطوريات منفصلة وسط الأنقاض، وهو نفس ما تواجهه الولايات المتحدة الآن من مشكلات مماثلة وسط الأزمات المتفاقمة هنا وهناك.
لم يتخيل صانعو القرار العالمي يوماً أن اللحظة أحادية القطب لشرطية العالم (أميركا) ستنتهي، بعد خسارتها أقوى حلفائها بفعل سياساتها الانتهازية وهم (العرب) إلى مواجهة قوى كانت تبني جيوشها منذ عقود كمواجهة روسيا ومحاولة أميركا فيها ردع بوتين عن التصعيد لفترة كافية لكنها تأزمت بالتصعيد النووي واختلاق (القنبلة القذرة) نتيجة الصراع واختلال التوازن العنيف وغير المستقر لتكون الفوضى مستقبلاً دموية، ومع ذلك فقد يقوم صراع عسكري قريباً جداً بين أميركا والصين، وتبني إستراتيجية الدفاع في «حرب واحدة»، وتوسيع «الناتو» وإضعاف موسكو، وبالتالي صراع طويل يُلحق الضرر بواشنطن أكثر. وليس هناك مفر من نشوب حرب طاحنة وطويلة الأمد، (لا تبقى ولا تذر)، فأتمنى للعالم حظاً سعيداً وأن يبعد عنا تُجار الحرب.