فضل بن سعد البوعينين
للفنون دور مهم في تشكيل الثقافة ونقلها، وتعزيز التواصل، وبناء المجتمعات، وتطويرها، وحفظ التاريخ، ونشره، وتحفيز الإبداع، وترسيخ القيم، وتعميق مشاعر الفخر بالوطن وتاريخه، وإرثه الحضاري، ولها القدرة أيضاً على التأثير في التحولات المجتمعية لما تمتلكه من قدرة على مخاطبة العواطف وتحريكها.
وكما أن للفنون انعكاسات إيجابية على الثقافة والشعوب، فلها أيضاً مؤثرات سلبية قد تقود المجتمع إلى توجهات خاطئة تؤثِّر في معتقداته وقِيَمه أو تسهم في بعث رسائل مشوهة عن المجتمعات، والمعتقدات، والشعوب والحكومات، ما يستوجب الإحاطة التامة بمحتوياتها العميقة، والتحكم بمخرجاتها، وتوجيهها التوجيه الأمثل، وتحويلها إلى أداة بناء وتمكين.
ولأهمية الثقافة والفنون، ركزت رؤية 2030 على تعزيز دورها في المجتمع، وخلق بيئة فنية إبداعية لتمكين المجتمع الفني المحلي وجعل المملكة مركزاً إقليمياً للفنون البصرية، وإطلاق برامج ومبادرات نوعيّة. أهداف نبيلة يتطلب تحقيقها، الكثير من الجهد، والتخصص والكفاءات الوطنية، والعمل على محورين رئيسين، الأول صقل واحتضان المبدعين والموهوبين السعوديين وتحفيزهم على الإنتاجية، والثاني تمكين القيمين الوطنين القادرين على تحقيق أهداف الرؤية، والارتقاء بالفنون وفرز الجيد منها من الرديء، وتقييمها، وتوجيهها التوجيه الأمثل المتوافق مع الرؤية الوطنية الإستراتيجية.
الأكيد أن هناك جهوداً ومبادرات وبرامج متعددة تقوم بتنفيذها جهات حكومية مختلفة، ومنها وزارة الثقافة، والهيئة الملكية لمدينة الرياض، والهيئة الملكية لمحافظة العلا. وعلى الرغم من أهميتها، وحجم الإنفاق الكبير عليها، إلا أنها في حاجة للمراجعة والقياس والنقد الموضوعي الذي يحسن من جودتها مستقبلاً، ويجعلها أكثر توافقاً مع الرؤية الوطنية. التحديات قرينة البدايات، وخلق قطاعات فنية محترفة لا بد وأن يواجه بتحديات تتطلب المعالجة السريعة. ولعلي أشير إلى مهرجان «شفت» التابع لهيئة الفنون البصرية، على سبيل المثال لا الحصر، وتحدياته التي تتطلب المعالجة، خاصة ما ارتبط منها بالرؤية الوطنية، ومواقف المملكة الثابتة، التي يفترض أن تكون مخرجاته داعمة له.
فمن خلال إحدى لوحات العارض الضوئي mapping projector ظهرت لوحة فنية عنونت بـ Oil Embargo وهي لوحة بنيت على إسقاطات مضادة للسياسة النفطية السعودية المتزنة، كما أنها تصور النفط وكأنه الملوث الرئيس للبيئة، إضافة إلى الصورة النمطية للسعودية لدى الغرب و التي تربط بين الإبل والنفط، إشارة إلى الرجعية. لوحة لا يمكن القبول بها، ففيها من الإسقاطات السلبية الكثير.
ظهور مثل هذا العمل، وأعمال في مهرجانات أخرى، منفذة من قبل فنانين متعاقدين مع جهات حكومية يحتاج لمراجعة دقيقة، وتصويب، كي لا تكون من الأعمال المشوهة لصورة المملكة، والداعمة للحملات الإعلامية والسياسية والاقتصادية الغربية الموجهة ضدها، ومنها ما ارتبط بملفي النفط والتغير المناخي. فالنفط هو عصب الاقتصاد الوطني، ومصدر الطاقة العالمي، والمتحكم في اقتصادات الدول،حيث تتعامل معه المملكة بمسؤولية ضامنة لإمداداته، ومحققة لأمن الطاقة العالمي، لا كما تصوره لوحة العرض السلبية.
كتبت غير مرة عن أهمية توطين منظومة الفنون والثقافة عموماً، وضرورة وجود قيمين سعوديين لضمان جودة المخرجات الفنية وتوافقها مع السياسات العامة والرؤية الوطنية إضافة إلى ضمان التقييم العادل لها. واستثمار الكفاءات الوطنية القادرة على تطوير بيئة الفنون وتحفيز الإبداع، وعكس الصورة الجميلة للوطن، وخلق مزيد من المختصين الوطنين وإعطائهم الثقة وفرصة خدمة وطنهم وتوثيق ثقافته وإيصال رسالة المملكة للعالم الخارجي دون تشويه.
يبدو أن بعض المشروعات الفنية، والأعمال المنفذة عزَّزت أهمية التوطين عموماً، وضرورة استبدال القيمين الأجانب بسعوديين يفوقونهم كفاءة، وقدرة على إنجاز المشروعات العالمية وليس المحلية فحسب، إضافة إلى وطنيتهم الضامنة لجودة المخرجات الفنية وتوافقها مع الرؤية الوطنية وأهدافها الإستراتيجية.
أعتقد أننا في أمس الحاجة لوجود قيمين وطنيين وأعضاء متخصصين؛ ينتمون للأجهزة الوطنية المعنية بالتنمية الشاملة والأمن الإستراتيجي؛ يشاركون بفاعلية في اتخاذ قرارات إجازة الأعمال الفنية واقتراحها وتوجيهها وفق الرؤية الوطنية وبما يضمن سلامة مخرجاتها، وعدم تركها لاجتهادات الفنانين، أو القيمين الأجانب، وإسقاطاتهم المقصودة.