د. أسماء بنت صالح العمرو
هُمْ كثير،وعددهم وفير، وأفكارهم متنوعة، واهتماماتهم مختلفة، وعقولهم متفاوتة، ومداركهم متباينة، وطبائعم مغايرة، واختلافاتهم مشكَّلة.
أراهم حين أقلب شاشة الجوال فأنبهر من سذاجة من يتابعهم، ويزيد من عددهم، ويشتري مايهمهمون به من إغراءات خادعة من أجل(تم إيداع).
عفواً، فلا أقصد الكل، ولاينبغي مني، ولايحق لي أن أعمم؛ لأنه كما قيل:»لايعمم إلا الأغبياء»، ولكن أن يكون الغالب الأعم من مشاهِد ساذج،وطنّان بارز، يغلبون أصحاب العقول،وأرباب الحكم، ويبزّونهم، ويتغلبون عليهم، ويزاحمون مجالسهم، وهم عن المنطق خواء، وعن العلم عراء، وعن الحلم غيايا فهذا مالم نتوقعه، وكيف به أن يحدث ويكبر ويتسع، ولايكاد يترقّع؟
والذي يزيد الأمر تعقيداً أن العاقل وإن لم يلاحق تفاهاتهم، فهو مرغم على متابعتهم؛ لأنهم أكثر شيوعاً، وأعلى انتشاراً، وأوسع مشاهدة.
ولم تغب عن مخيلتي في كتب القراءة نصائح الأدباء لطلابهم ، وحثهم على كثرة الاطلاع، والغوص في قراءة ماينفع ويرفع.
وكنت قد قرأت وصايا الآباء لمؤدبي أبنائهم،واستلهمت نضجهم، وانبهرت من حرصهم، وتعجبت لحالنا، وكيف هي اهتماماتنا مع أبنائنا.
فمن روائع وصايا عبدالملك بن مروان لمعلم ولده «علِّمْهم الصدقَ كما تعلمهم القرآن،وجنِّبْهم السَّفِلَةَ،فإنهم أسوأ الناس رِعَة، وأقلُّهم أدبًا،وجنِّبْهم الحشمَ فإنهم لهم مفسدة...وعلمهم الشِّعر يَمْجُدُوا ويَنْجُدوا».
فهل من شب ونضج على شموخ تعليم، وسلامة منهج، وارتقاء تربية، وانتقاء صحبة، سيرى سطحية تفكير، وقلة تدبير، وضعف منطق، وحمق طبع، وبلاهة تصرف؟
وهل من سلك طريق الحكمة، وعين البصيرة، وسلامة المبدأ سيخوض غمار التيه والحمق والخذلان؟
فعلينا أن نعي ونستلهم دور الأسرة، ودور التعليم، ودور المجتمع، ثم الأمانة التي حُملها بعدما تربى وتلقى، ونضج واستوى، واستمسك بالعروة الوثقى.
وأخالي أن بيت المتنبي الذي يقول:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله
وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
يمثل اللبيب في شطره الأول، والغويّ في شطره الثاني، وماعلينا إلا التفاؤل أو التغافل.