عطية محمد عطية عقيلان
نمارس في حياتنا الطبيعية الكثير من «التنظير» والمثالية الزائفة على أرض الواقع، وقد نلاحظها أيضًا في تعاملاتنا مع الآخرين، ونلمس الاختلاف بين «المعرفة والممارسة»، لا سيما بعد أن أصبح الحصول على المعلومة والحقيقة -إلى حد ما- متاحة بسهولة، وبعضها صادم ومحير، من التناقض الخادع، وهذا ما نرصده في القضايا المعلنة عن مكافحة الفساد «نزاهة»، ومخالفة أشخاص، يفترض بهم أن يكون أحرص الناس على الأمانة وحقوق الناس وحفظها، ولكن معرفتهم لم تتحول إلى ممارسة واقعية تعبر عن قناعتهم وإيمانهم بما يقولونه، لتكون أكثر تأثيرًا على من حولهم، يقول الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «كونوا دعاة الله وأنتم صامتون، فقالوا كيف ذلك، فقال بأخلاقكم»، وهذا أقوى درجات التأثير وترك انطباع مؤثر، وهي محفز لنا بالسعي لأن تكون أفعالنا متماشية مع ما ننادي به ونطالب الناس أن يتحلوا به، وهذه تحتاج إلى مراجعة دورية وصيانة وترميم لما نقوم به، وتعديل المسار أولاً بأول، ومصاحبة من يرشدونا إلى الطريق الصحيح عند حيدنا وانحرافنا عنه، وهي من أصعب المواقف التي يتعرض لها الإنسان طيلة حياته، خاصة عند تعرضه للفتن الدنيوية والمناصب والمال والجاه، وهي امتحان حقيقي عند السلطة المالية وإمكانية الاستفادة الشخصية، عند التغاضي عن بعض القيم التي تؤمن بها، وهي موقف عسير نعيشه، لا سيما أننا نوجد لأنفسنا مئات المبررات التي تلطف وتجمل ما نقوم به من تجاوزات، وتضفي عليه غلافًا جميلاً مباحًا ومشروعًا، يمنحنا الرضى النفسي وإن كان مؤقتًا لأننا نعرف أنها ليست الحقيقة الكامنة، وقد تكون مخالفتنا وما نحصل عليه من مال وهدايا وعطايا، هي ظلم للآخرين بشكل فردي، من خلال التغرير بالعلاقات الثنائية «كالزواج»، وإعطاء معلومات مغلوطة أو مكذوبة أو أنك تنوي أنها مؤقتة ولكنك لا تصرح بذلك، وممارسة الغش والخداع بأبشع صوره، لأننا لن تقبل على نفسك أو من تربطنا بهما علاقة أو ولاية مثل هذه العلاقات، ونبرر أن لهم ظروفهم الخاصة، متناسيًا قاعدة مهمة في التعاملات وهي: «عامل الناس كما تحب أن يعاملوك به، وأرضى لهم ما تقبله على نفسك»، «ومن غشنا فليس منا»، بعيدًا عن البحث عن ما يعزز ويبيح ما نقوم به وتحميله المسؤولية، وتطبيق مقولة «اجعل بينك وبين النار مطوعًا»، فهذا لا يعفيك من الذنب حتى ولو وجدت من يفتي أو يبيحه لك، فكما تحرص على معرفة المخاطر عند التجارة أو شراء أر..، والتقصي عن الأصوب، فلنطبق ذلك في معاملاتنا المالية والسلوكية في حقوق الآخرين، وقد يقول قائل إنها سلوك طبيعي، فكما يقول المثل «إن باب النجار مخلع»، وقد تجد الحامي الذي يفشي أسرار عميله أو من إإتمنه عليها وحدثه بها، أو من يغرر بوكلائه ليأكلوا حق الآخرين، بغية دراهم معدودة، أو الطبيب الذي يحذر من السمنة وهو سمين، ومحلل رياضي ينتقد ضعف لياقة اللاعبين وهو من أصحاب الكروش والخدود المنتفخة والمدخن بشراهة، ولكنه يجيد التنظير عن اللاعبين، وذاك المحلل الاقتصادي الذي يحاضر عن كيف تصبح ثريًا وهو فقير معدم لم تنفعه نظرياته،.. وهذا طبيعي ومقبول، إذا اقتصر تأثيره السلبي على القائل وصاحب النظرية، ولكنه يصبح مؤذيًا عندما تكون ممارسة التضليل والخداع، وخيانتنا للأمانة، هي للاستيلاء على حقوق وأموال من اقتنعوا بأننا أهل لها، بما نقوله وندعيه من أجل التغرير بهم، وهي دعوة لمراجعة النفس والتي تحتاج إلى محاسبة ذاتية وتصويبها، والاستعانة بالأصدقاء المحبين، أسوة بما نعمله مع صحتنا، وأخذ الدواء المناسب حتى لا تتفشى وتؤثر على صحتنا، فالحياة أقصر من نظلم هذا أو ذاك ونستولي على حقوق الآخرين، ودومًا لنصلح أنفسنا، دون تنظير على الآخرين وشماتة، فلو كنا في مكانهم وبسلطتهم، قد نصبح أسوأ منهم، يقول نابليون بونابرت «ما أسهل أن تتحدث عن الشجاعة، وأنت بعيد عن أرض المعركة».
خاتمة: تأكيد على أهمية أن ترضى للآخرين وتعاملهم بما ترضاه لنفسك، وهي قاعدة مهمة في التعاملات على الأصعدة كافة، بعيدًا عن التبرير لأنفسنا، وأنا غير ولي وضعي ومركزي، وهي تنبيه لي وللآخرين بمراجعة النفس من أقوال وأفعال، بالحد الأني من العدل والنزاهة، يقول الفيلسوف ابن رشد «من العدل أن يأتي الرجل من الحجج لخصومه، بمثل ما يأتي به لنفسه».