العقيد م. محمد بن فراج الشهري
صفة «الأصولية» هي صفة مسيحية غربية بحتة أطلقت في الغرب على المسيحيين الذين اعتقدوا بالتفسير الحرفي للكتاب المقدس، حيث أدى بهم ذلك إلى الاعتقاد بضرورة وجود دولة إسرائيلية في فلسطين يتجمع فيها يهود العالم كمقدمة ضرورية تمهد للمجيء الثاني للمسيح، وبالتالي للمملكة الألفية السعيدة التي سيحكمها، وبعبارة أخرى: هي صفة أطلقت على حركة بروتستانتية التوجه، أمريكية النشأة، انطلقت في القرن الـ 19 من صفوف حركة أوسع هي الحركة الألفية، وبتعبير أدق: الحركة البروتستانتية التي أطلق عليها وصف الأصولية نشطت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الحرب العالمية الأولى، وإن كانت جذورها تعود إلى النصف الأول من القرن الـ 19، ويقوم فكر هذه الحركة على أساس الدعوة القوية بالعودة إلى أصول المسيحية الأولى، والتمسك الحرفي بما جاء في الكتب المقدسة والتبشير، بعودة المسيح... إلخ. وأطلق على أعضاء تلك الحركة اسم FUNTAMENTALISTS، وبعد الحرب العالمية الثانية بدأ الأصوليون يطلقون على أنفسهم اسم الإنجيليون.
ولعل أهم الظروف المحيطة بهذه الحركة والدافعة لبروزها نجد ظاهرة تراجع تأثير الكنيسة على الأفراد في المجتمعات الغربية بصفة عامة وفي المجتمع الأمريكي بصفة خاصة، لا سيما أمام انتشار مظاهر العصرنة، وانتشار القيم المادية مقابل تراجع القيم الروحية، وهذا ما دفع ببعض الأصوليين البروتستانت إلى الهجوم، والدعوة لضرورة العودة والتمسك بالكتاب المقدس، وبالتفسير الحرفي له باعتباره كلام الله المتضمن للإجابة عن كل المسائل المطروحة، ولعل حدة التيار قد اشتدت بعد قيام مجموعة من رجال الدين الأحرار بالتشكيك في صحة الكتاب المقدس ودقته، واستخدموا الأبحاث التاريخية للتشكيك في بعض العقائد النصرانية الراسخة، وحاولوا تعديل اللاهوت النصراني، ليتوافق مع الاكتشافات العلمية الحديثة خاصة في علمي الأحياء والبيولوجيا حول النشوء والارتقاء، والتي نجد على رأسها النظرية في علمي التطورية الداروينية، وقد سميت حركة هذا التيار بالحركة العقلانية، ومن جملة ما دعت إليه الاعتقاد بعالم منظم يمكن تفسيره بالعقل والمبادئ العلمية، كما دعت كل المذاهب إلى الاتفاق على أفكار أساسية تتمثل في الإيمان بإله عالم حكيم والإيمان بوجود الروح، وبحتمية الجزاء والعقاب في الحياة الآخرة، ولكنها رفضت الإنجيل والكنيسة كمصدرين للحقيقة.
وكلمة «أصولية» هي ترجمة حرفية لكلمة فأندا منتاليزم «الأساس» أو «الأصل»، وكلمة مأخوذة من كلمة فاندنت Fundament التي «أصولية» الإنجليزية استخدمت أول ما استخدمت في سياق مسيحي، وتعني «حركة بروتستانتية أمريكية» تهدف إلى إعادة تأكيد بعض ما يتصور أنه عقائد ثابتة وأصلية مسيحية مثل قدسية الكتاب المقدس، وأنه صائب تماماً (بل قد ارتبطت كلمة أصولية بالتفسير الحرفي والمباشر لنصوص الكتاب المقدس)، والإيمان بالمعجزات (وخصوصاً الحمل بلا دنس)، والبعث الجسدي للمسيح. ثم طبقت هذه الكلمة على الاتجاهات التجديدية في الإسلام، ثم الحركات الدينية المتطرفة في اليهودية. وهكذا، فإن مصطلح الأصولية في بيئته الأصلية الغربية يشير إلى فرقة من البروتستانت (اليمين المسيحي أو الصهيونية المسيحية التي تمثل الآن التفكير الإستراتيجي الأمريكي الساعي إلى تدمير العالم المارق) وتؤمن بالعصمة الحرفية لكل كلمة في «الكتاب المقدس» ويدعي أفرادها التلقي المباشر عن الله، ويعادون العقل، والتفكير العلمي، ويميلون إلى استخدام القوة والعنف في سبيل هذا المعتقد الفاسد. وتقول موسوعة (روبير اللغوية) إن كلمة «fundamentalism» صيغت عام 1920م من كلمة «fundamental»، وتعني تياراً لاهوتياً محافظاً، أصله بروتستانتي، نشأ في الولايات المتحدة الأمريكية المتحدة أثناء الحرب العالمية الأولى، متمسك بالتعريف الحرفي للنصوص الإنجيلية وقد جاءت كلمة (أصل وما يشتق منها) في الكتاب المقدس، في سبعة وخمسين موضعاً، منها:
ما ورد في سفر حزقيال: «فتبت، وصار كرمة منتشرة قصيرة الساق، انعطفت عليها زراجينها، وكانت أصولها تحته، فصارت كرمة، وأنبتت فروعه، وأفرخت أغصاناً» (حزقيال: 17/6). وجاء في إنجيل متى: «والآن قد وضعت الفأس على أصل الشجر» (إنجيل متي: 3/10)
وجاء في إنجيل لوقا: «والذين على الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح، وهؤلاء ليس لهم أصل، فيؤمنون إلى حين، وفي وقت التجربة يرتدون» (إنجيل لوقا: 8:13).
أما اللفظ الفرد «أصولية»، والذي يقصد به تيار أو حركة أو مذهب ديني تبني الدعوة العودة للأصول، فإنه جاء كترجمة للمصطلح الانجليزي fundsamntalism، وقد أطلقت الكلمة كما جاء في قاموس المورد، على أتباع مذهب العصمة الحرفية البروتستانتي الذي يؤكد على أن الكتاب المقدس معصوم من الخطأ، لا في قضايا العقيدة والأخلاق فحسب، بل أيضاً في كل ما يتعلق بالتاريخ ومسائل الغيب، كقصة الخلق وولادة المسيح من مريم العذراء، ومجيئه ثانية إلى العالم، والحشر الجسدي.
أما كلمة (الأصولي) «fundamentalism» فقد اشتقت عام 1966م، لتعني معنيين: أولهما: معنى عام، هو: من يقوم بأبحاث في الأصول. والثاني: معنى ديني، هو: من ينتمي إلى الأصولية. حيث ظهر في عشرينيات القرن الماضي، تعبير الأصولية في الصحافة الأمريكية، وأغلب الظن أن الذي سك المصطلح الإنجليزي «fundamentalism».
أي: الأصولية، هو رئيس تحرير مجلة «نيويورك وتشان» حيث قال عن الأصوليين. بأنهم أولئك الذين يناضلون بإخلاص من أجل الأصول. كما شهدت الحركة الأصولية عدداً من المؤتمرات التي أفضت إلى عدد من المنظمات أبرزها: جمعية الكتاب المقدس 1920، المؤسسة العالمية للأصوليين المسيحيين1919، الاتحاد الوطني للأصوليين. وقد مهدت سلسلة كتيبات سميت «الأصول أو الأساسيات»، لازدهار هذا المعنى، والتي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية خلال الفترة 1910- 1915م، وبلغ عددها اثني عشر كتيباً، وبلغ توزيعها بالمجان ثلاثة ملايين نسخة أرسلت إلى القساوسة، والمبشرين، واللاهوتيين، ومدارس الأحد، وسكرتيري الشبان المسيحية، والشابات المسيحية. ويمكن تصنيف ما تحتويه هذه الكتيبات على النحو التالي:
1.أصول الإيمان مثل حقيقة جهنم ومجيء المسيح الثاني.
2.مهاجمة تيار نقد الإنجيل، وهو تيار يدور حول اعتبار العهد القديم تسجيلاً لتطور ديني.
3.الإرساليات التبشيرية في مختلف أنحاء العالم.
4.نقد النظريات العلمية، وبالأخص الداروينية، الناقدة لقصة الخلق الواردة في سفر التكوين.
وقد وردت هذه الأفكار كرد فعل ضد علماء اللاهوت الليبراليين الذين دارت أفكارهم على مسألتين هما: التشكيك في قصة الخلق الوارد في سفر التكوين، بسبب ما أحرزته علوم الجيولوجيا والبيولوجيا من تقدم، والنظر إلى خطيئة الإنسان كما وردت في سفر التكوين، على أنها مجرد تفكير بدائي وصبياني، إذ ليس كما يزعمون ثمة وجود لما يسمى: آدم وحواء. ومن هنا فإن الأصولية تطلق على الاتجاهات الدينية المتشددة في مسائل العقيدة والأخلاق، والمؤمنة بالعصمة الحرفية للكتاب المقدس، والمقتنعة بأنه يتضمن توجيهات لمجمل الحياة بما في ذلك الشؤون السياسية، وبخاصة النبوءات التي تشير إلى أحداث مستقبلية تقود إلى استعادة إسرائيل والعودة الثانية للمسيح.
خلاصة القول في الأصولية الغربية مايلي:
1 - أول ماظهر استعمال الأصولية, كان في الغرب, وكان يقصد به فرقة من الكاثوليك أو البروتستانت.
2 - من لوازم الأصولية رفض التطور, ومحاربة العلم.
3 - الجمود وعدم التكيف مع ظروف الحياة المعاصرة.
4 - العودة إلى الماضي, والتشبث به, كمرجع أساسي في مواجهة الحداثة المعاصرة وهذا يستلزم (أ- الانغلاق والتحجر, وبالتالي عدم التسامح ورفض الآخر. ب- العنف واستعمال القوة في بسط الرأي والمعتقد الذي تدين به.)
5 - الأساس الذي تقوم الأصولية للدفاع عنه, قد يكون الدين أو العرق, أو مذهب معين, فهي إذاً جمود في مواجهة التطور, وجنوح إلى الماضي في مواجهة التكيف مع الواقع, ومواجهة العلم والعلماء بآراء الكنيسة, وفكر الآباء, وانغلاق على الذات في مواجهة الانفتاح على الغير..