رمضان جريدي العنزي
كل مجتمع من المجتمعات لا يخلو من شخص «نشبة» يغث الآخرين، ويضايقهم، ويتدخل في كل صغيرة وكبيرة، لا يعجبه العجب، ولا الصيام في شهر رجب، ينشغل بمراقبة الناس، ويتابع أخبارهم، ويكشف عيوبهم وأسرارهم، ويوثّق حاضرهم ومستقبلهم، مفتوناً بذاته التي لا يرى نظيراً لها، «لصقة» لا ينفك أن يحشر أنفه في كل شأن وأمر وقضية، لديه فضول غريب في معرفة الأخبار والأسرار، يحاول أن يبدي رأيه ونصيحته من غير أن يطلب منه، يتابع الحركات، ويدقق في المعاني والمفردات، يراقب الناس، ويسترق السمع، يسأل عن أمور شخصية جداً، أين تعمل، وكم هو راتبك، ومتى تسافر، ومتى تعود، ومن هم أصدقاؤك، وما نوع سيارتك وجوالك، وكم قيمة ساعتك، وهل هي ماركة، أم مقلّدة، وما نوع شماغك أو غترتك، وهل عقالك مصنوع من شعر الماعز، أو وبر الجمل، ولماذا لا ترتدي العقال المقصّب بخيوط فضية أو ذهبية، ولماذا لون مسبحك وطوله كذا، ومن يزورك، ولماذا لا تغيّر أثاث بيتك، وما هو وزنك وطولك، وهل تعمل فحوصات دورية عند الطبيب، وكيف تقضي وقتك، ومع من؟ إن «النشبة» لديه حب استطلاع ورغبة في الوقوف عند كل شيء، لا يهدأ له بال، ولا يستكين له حال، حتى يكشف خبايا الأمور، وأسرار الأشخاص، إنه شخص لا يملك ذكاء وجدانياً، ولا مهارات تواصل عالية، ولا يهمه علامات الضيق التي تظهر من نبرات صوتك، وإيماءات وجهك، وعدم اتهامك به وبأسئلته، بل تجده مستمراً بفضوله لإشباع رغبته في السؤال والاستقصاء، إن شخصية النشبة شخصية ينقصها الثقة بالنفس، ولديه عقدة النقص البائنة والواضحة، ولا عنده نضج انفعالي واجتماعي ونفسي، بل يتسم بالوهن الفكري، والاتكالية والخواء الروحي، والفراغ والإحباط النفسي والمعنوي. إن الشخص النشبة من أسوأ الشخصيات التي تقابلنا بالحياة، لتدخله السخيف والمثير في الخصوصيات، تجده كالظل أينما تذهب يذهب معك، دون أن تنفك منه، وكالهواء الملوث الذي يحيط بك ونتنفسه من غير إرادتك، إن «النشبة» من أخطر الآفات، وأكثرها إجحافاً بالناس، وهي سمات الشخصية المهزوزة، التي تلهث وراء ما يحقق فضولها ويشبع رغباتها، والشخص النشبة مخادع ومراوغ، وصياد غير محترف، يبحث عن الفريسة وأن كانت هزيلة، والأخبار وإن كانت سيئة ورديئة، ولا يهمه سوى الاصطياد في الماء العكر، والسباحة في المستنقعات والسبخ، أعاذنا الله منه، وأبعدنا عنه.