محمد ناصر الأسمري
في عام 2000م شرعت في الكتابة عن فلسطين الوطن السليب، وعن مشاركة بلادي المملكة العربية السعودية في الدفاع عن فلسطين الإنسان والأرض المقدسة، كان ذلك شهامة وفداء من الملك عبد العزيز -رحمه الله- ومباشرة من الأمير منصور بن عبد العزيز أول وزير للدفاع - رحمه الله
- كان والدي -رحمه الله- من ضمن الضباط الذين شاركوا في تلك الحرب، ولم أكتب عن الحرب تلك إلا بعد وفاة والدي بخمسة عشر عامًا.
قلت في مقدمة كتابي «الجيش السعودي في حرب فلسطين 1948م»، الذي أصدرته عام 2000م ما يلي:
(كنت مشغول الذهن والوجدان بقضية فلسطين، سنوات طفولتي وشبابي، فقد وُلدت عام النكبة 1947م. وتنامت مشاعر شتى، خلال مراحل العمر، مما كنت أسمعه من والدي - رحمه الله - وغيره من الضباط السعوديين الذين شاركوا في حرب فلسطين 1948م، من حكايات عن مسارات تلك الحرب. كنت أسمع التأوهات من أبي وغيره، وألاحظ تعبيرات الألم الطافح على المحيا، عن المناوشات الجانبية بين بعض قادة السرايا العربية في جبهات القتال، على أشياء صغيرة، كرفع علم الدولة من قبل كل جيش مما أوجد شواغل عن الهدف الأعلى إنقاذ، كما كان حال الشكوى من فساد الخطط والتخطيط للحرب على كل الجهات).
كانت البداية قبل الشروع في الكتاب بحث قدمته في ندوة لدارة الملك عبد العزيز رعاه الوالد الجليل سلمان بن عبد العزيز ونشرته صحيفة الاقتصادية، وحظيت بدعم وتوجيه من مقام الأمير (الملك) حفظه الله.
هنا أسجل حكايات عن مسيرة التوثيق التي سارت معي وسرت معها.
كنت أعاني من قلة المصادر السعودية فلا وزارة الدفاع لديها توثيق ولا مصادر، شرعت في السفر إلى مصر العربية التي كان لها النصيب الأكبر في الدفاع عن فلسطين، زرت دار الوثائق المصرية وقابلت صديقاً كريماً سبق له العمل في بلادنا وصار وزيراً فيما بعد.
عرضت له ما أنا بصدده، رحب الرجل وأفادني بوجود ملف عن حرب فلسطين 1948م اسمه ملف المشير، موجود في هذا الملف كل ما له علاقة بتلك الحرب، وقد استبعد منه كل ما له علاقة بالأمن القومي المصري، وأنه غير مسموح الاطلاع عليه من الباحثين من بلدان عربية معينة كان منها ليبيا وفلسطين.
أرشدني الصديق الدكتور مدير عام مركر الوثائق القومية إلى سيدة ترأس قسماً لوثائق الحرب كما أتذكر، وهاتفها لتقديم المساعدة لي، زرتها في مكتبها ،كانت سيدة جميلة قوية الشخصية سمتها الجدية الكاملة، رحبت بي وأحالتني إلى شخص ليطلعني على ملف المشير، وهو بالمناسبة المشير عبدالحكيم عامر القائد العام للقوات المسلحة المصرية.
الشخص الذي كلف بإطلاعي على الملف رجل سبق له العمل في السعودية وأمطرني بوابل من مقدرته على تصوير ما أريد، كنت مرتبطاً بالذهاب لمركز صحيفة الأهرام فاعتذرت من السيدة المديرة أني سوف أغادر وسأترك مبلغاً من المال قيمة للتصوير إن لم يكن كافياً فسوف أدفع كامل المستحق.
علم بعض الأصدقاء من المصريين بما أنه في صدده، انهالت عليَّ توصيات كانت مفجعة لي ولم أكن من بناتها، أقترح أحدهم أن أشترى أسوارة ذهبية للسيدة المديرة، قلت أعوذ بالله، ما هي العلاقة التي تسمح لي بمثل هذا وما موقفي لو فعلت هذا مما قد يكون من تصرفها معي، ثم اقترح آخر أن أشتري باقة ورد وأقدمها للسيدة المديرة، وليس لي أي علاقة رومانسية بالمرأة وماذا سيكون وضعي لو قذفت بالورد في وجهي، وحمدت الله أني لم أقبل نصح الناصحين غير الناصحين.
عدت اليوم التالي وأخذت ما تم تصويره من الوثائق، وعدت لأشكر السيدة المديرة فرحبت بي وناولتني مظروفًا فيه ما تبقى لي من نقود زادت عن القيمة المستحقة، وطلبت أن آخذ الأوراق المصورة إلى اللواء سعيد لكي يوقع على خروجها من دار الوثائق، استصعبت الحال كيف أدخل على السيد اللواء، قلت للسيدة في مكتبه أرجوك أدخلي النموذج على السيد اللواء، قالت ليه حضرت ما (تخش) أنت، قلت ربما لو كانت الرتبة مقدمًا فما دون قد أدخل. ضحكت طويلاً وأدخلت الأورق فوقعها السيد اللواء، بعدها أردت أن أبحث عن مراجع مصرية أخرى عن تلك الحرب فدلني رجل في مكتبة مدبولي بقوله (عليك بسور الأزبكية)، فعلاً ذهبت إلى السور فوجدت كتباً وصوراً كتبها قادة عظام شاركوا في تلك الحرب وأفادتني كثيرًا فسجلتها في كتابي.