محمد بن عيسى الكنعان
في الماضي كانت مساحات التواصل المعرفي مع الأطباء محدودة؛ في العيادات، أو في المجلات والدوريات الطبية المتخصصة، أو على الصفحات الصحية والطبية بالجرائد اليومية، أو من خلال تصفح المواقع الإلكترونية الطبية أو الصحية أو الغذائية، أو عبر الاستضافات الحوارية التلفزيونية؛ لذلك كانت النصائح الصحية أو الطبية، التي يُدلي بها الأطباء والمختصون بالتغذية - وبالذات ما يتعلق بالتغذية والأنماط السلوكية للأكل والشرب لدينا -كانت مُركّزة، ومحددة، وذات مصداقية وموثوقية عالية، لكن اليوم اختلف الوضع بشكل كبير ومخيف، بحكم انفتاح العالم على منصات التواصل الرقمي، التي لم تجعل العالم قرية واحدة فحسب، بل جعلته في كف الشخص، وفي جيبه، وبكل وقت من خلال الهاتف المحمول؛ فتكاثر المتحدثون بشؤون الطب والصحة والتغذية بما هو خارج اختصاصهم، وصار الناس يتحدثون بمنطقهم أو ينقلون عنهم بما يعرفون أو يهرفون, وبالذات ما يتعلق بالغذاء اليومي والعادات السلوكية في أكلنا وشربنا, فظهرت المقاطع الصحية والطبية لهذا الطبيب أو ذاك في منصات التواصل الاجتماعي، ويتم تداولها بالتطبيقات الرقمية، وكأنها نشرات صحية يومية تُنافس النشرات الإخبارية السياسية والاقتصادية. فهذا طبيب يحذر من الزيوت والسمن واللحم الأحمر والبيض؛ لأنها ترفع الكوليسترول بالدم، وطبيب آخر على النقيض يُكّذب ذلك, ويقول إن الكوليسترول أصلًا خرافة طبية, ودعاية من قبل شركات الأدوية، ومثله طبيب تغذية يؤكد العكس بوجوب تناول البيض المسلوق - تحديدًا - على الفطور في الصباح، وبشكل يومي؛ لأنه يحارب الشيخوخة، ويدعم القلب ضد الجلطات وله فوائد أخرى، وبذات السياق تحدث أطباء تغذية أمريكان عبر مقطع يوتيوب عن تجربتهم عندما أخضعوا أجسادهم لتجربة تغذية محددة، وذلك بتناولهم البيض في كل الوجبات اليومية وعلى مدار ثلاثة أسابيع، مؤكدين أن التحاليل بيّنت أن الكوليسترول الضار لم يرتفع لديهم قِيد أنملة ما يعني أن البيض ليس له علاقة بارتفاع الكوليسترول. وهذا طبيب يُحذر من الثالوث الأبيض: (السكر، والملح، والخبز الأبيض)، بينما طبيب آخر على النقيض يؤكد سلامة الخبز الأبيض بدلالة أن البشر يأكلونه منذ الخليقة, ولا تدري الحق مع من, ولكن ما تعرفه أن محلات الخبز الصحي أو الرغيف الصحي انتشرت تحت مسميات لمنتجات متعددة كخبز الشوفان، وخبز الشعير، والنخالة وغيرها. وهذا طبيب يحذر من شرب الشاي بعد الكل، وآخر يرى العكس، فالشاي صحي ولكن بدون إضافة السكر. وهذا طبيب ينصح بعدم أكل الفاكهة بعد الوجبات، إنما قبلها؛ لأنها أسرع بالهضم وأكثر فائدة، ونقيضه يقول تناول الفاكهة بأي وقت لأنها فيتامينات، وطبيب ثالث يحذر من القهوة حتى لو كان أجدادنا يشربونها، بينما يرى طبيب آخر أنها صحية وبالذات في الصباح الباكر؛ لأنها ترفع مستوى أداء الذهن. وهناك من ينصح بشرب الماء الفاتر على الريق بعد الاستيقاظ من النوم، لأجل تنظيف المعدة والقولون وتنشيط الخلايا، وطبيب آخر لا يرى أية قيمة صحية لذلك إنما لترطيب الجسم لا أكثر. ناهيك عما قاله الأطباء ومختصو التغذية بالتمر والعسل أكثر مما قاله مالك بالخمر, حتى راجت تجارة العسل بشكل واسع فاختلط الأصلي بالمغشوش.
هنا ندعو الأطباء الكرام ومختصي التغذية بأن يراعوا أفهام الناس فيما يطرحونه من معلومات طبية، أو ما يقدمون من نصائح صحية، وأن يكونوا منهجيين بالطرح، من خلال التحدث بمعلومات صحية وطبية وفق مصادر ودراسات علمية وطبية مؤكدة ومعلنة. وبالذات عند التعامل مع الأعشاب الطبية، ومواد العطارة التي قد يستخدمها البعض دون وعي، أو محاولة تغيير الأنماط السلوكية الغذائية.