الكل مِّنَّا يدرك أن الكياسة هي الظرافة والفطنة.. وعندما تكون خالية من أبجديات التصنّع والتكلّف كانت من أقوى عناصر اجتذاب النَّاس إلى صاحبها، ولا يكون الإنسان ذا كياسة حتى يقتنع بفائدة هذه الصَّفة الجميلة وتأثيرها في اجتذاب النَّاس، مروِّضاً نفسه عليها أولاً في بيته ومع أفراد أسرته، حيث لا رقيب يراقبه ولا حاسب يحاسبه على ما بدر منه.
فإن علماء الاجتماع متَّفقون على أن الآباء لو حرصوا وحافظوا على الالتزام بالكياسة والظرف مع زوجاتهم وأولادهم، لتناقصت نسبة الهجر أو الطلاق، وقلت حوادث الإجرام بين الأولاد الأحداث! ومهما يكن المرء دميماً أو فقير، فإن النَّاس يحبونه إذا شعروا بعطفه عليهم، فمتى بذلت مودَّتك وصداقتك لجميع النَّاس، لانت لك قلوبهم واتجهت إليك عواطفهم، لأن الودَّ والإخلاص من أرسخ الدعائم التي تقوم عليها الجاذبيَّة وما أجدر الآباء و الأمَّهات أن يروِّضوا أولادهم على هذه الحقيقة، فهي من أقوى أسباب النجاح في هذه الحياة.
والتواضع دعامة أخرى من دعائم الجاذبيَّة، لأن المرء ينفر من فئة من المتكبرين، مهما كانت مزاياهم ومواهبهم، وما أصدق قول الشاعر الحكيم:
أتضع للناس أن رمت العلى
واكظم الغيظ ولا تُبد الضجر
واحمل النَّاس على أخلاقهم
فبه تملكُ أعناق البشر
أخي القارئ الكريم إذا شئت أن تكون محبوباً وليفاً وجذاباً، فعليك أن تهتم بسواك قدر اهتمامك بنفسك، وألا تنسى غيرك وأنت تفكر في سعادتك وراحتك. فها هو نبيِّ الرحَّمة محمَّد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليه - يوصيك قائلاً: (أحبَّ للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمناً، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً، وأقلَّ من الضِّحك فإن كثرة الضَّحك تميت القلوب) وتذكر دائماً أن النَّاس لا يحبون العبوس، وعندما تبتسم، يحبك أفراد أسرتك، ويساعدك رجال أعمالك، ويحبك الآخرين من الأحبة والأصدقاء وبعبارة أصح عليك أن تبتسم دائماً لأنك لا تجد داعيا للعبوس.
وتذكر أيضاً أن معاشرة الآخرين فنِّ من التِّواصل المبني على البهجة والسّرور والسّعادة وهذه الأمور تؤثِّر في النّفوس تأثير السِّحر، فتستميل إليك وتكسب ودهم وإخلاصهم ومحبتهم إليك! لا تجعل نفسك موضوعاً للحديث ولا تمدح نفسك، فالناس يصدِّقون ما يرون أكثر مما يسمعون، واحرص دائماً - على اتباع القاعدة التي تقول:
كن مستمعاً طيباً، وشجع محدِّثك على الكلام عن نفسه.
يقول الدكتور (نيكو لا تيلر) - (الرَّجل الذي يتكلم عن نفسه فقط، فهو رجل جاهل تدعو حاله إلى الرثاء... إنه أمي النفس بغض النظر عن مدى تعليمه)!
فالواجب على كل إنسان مِّنَّا أن يهتم كثيراً بأسلوبه في التِّعامل مع الآخرين ولا تنس بأن للدبلوماسيَّة شأناً مهماً، ولتكن آراؤك صريحة وواضحة. ولا تهزأ من الآخرين إذا كانوا أضعف منك، بل اجعلهم يشعرون بالقوةَّ والثَّقة بأنفسهم وكن أهلاً للثقة، ولا تكن ضعيف الثَّقة إذا أخطأت اعترف بخطئك حالاً وكن قنوعاً بحكم الله... متفائلاً بالحياة.. راضياً بقضاء الله وقدره، فحماسة الإنسان للحياة وتفاؤله. بها تجذب النَّاس إليه وتجعلهم يؤثرون مصاحبته ويشاركونه مرحه وسعادته، بخلاف ذلك المتشائم المتجهم فإن النَّاس يهملونه مبتعدين عنه فالمرء يشعر بابتهاج وسرور إذا ألقي عليه تحيَّة الصباح وتحيَّة الإسلام الخالدة لأنهم يقولونها بنفس طيِّبة وصوت طروب، وتشعر، وهم يجيبونك على مخاطباتك الهاتفيَّة، كأنهم يترقبون حديثك منذ أيَّام.. ومثل هؤلاء تميل إليهم عفواً، ولا تستطيع أن تقاوم قوتهم الجاذبيَّة أو السَّاحرة.
إن الإنسان المرح المتحمس للحياة، لا يجذب النَّاس فحسب، بل يجد جميع علاقاته سهلة وميسرة. وتجد إنسان يتحدَّث بحكمة وذكاء، وروية ولا يسخر من رأي أو حكمة أو فكرة، وفي ذلك يفتح قلوب النَّاس له ويحببهم إليه.
وأخير.. إن الثّقة بالنّفس البشريَّة هي عامل خطير في خلق الجاذبيَّة.. فإن ثقة المرء بنفسه تضفي عليه سحر وجاذبيَّة، سواء أكانت موهبة كبيرة أو يسيره، أو مكانة اجتماعيَّة كبيرة أو وضيعة.