نحن محاطون بالعديد من النعم في حياتنا ولكننا لا نكاد نذكرها ولا نشعر بقيمتها إلا عندما نفقدها أو نكون على وشك فقدانها، وكل ذلك بسبب أننا اعتدنا عليها فأصبحنا نظن أن هذه النعم دائمة ولن تزول أبداً، إلى أن يأتي الوقت الذي تفقد فيه تلك النعمة التي لطالما اعتدت على وجودها.. حينها فقط سوف تستشعر مدى تأثير هذه النعمة على حياتك وسوف تستشعر قيمتها العظيمة.
هل فكرت ولو لمرة كم شخصاً يمتلك ذلك المنزل الدافئ الذي أنت بداخله الآن؟ أو هل فكرت ولو لوهلة كم من شخص يمتلك تلك المائدة العامرة بالطعام الطيب الذي تأكله كل يوم؟ في الغالب ستكون إجابتك لا؛ لأنه وللأسف القليل منا فقط من يستشعر نعمة ذلك المنزل الدافئ والطعام الشهي ويحمد ربه ويشكره على تلك النعم ويدعو ربه أن يحفظ تلك النعم من الزوال، يجب على كل منا أن يخصص ولو دقيقة من يومه لكي يستشعر تلك النعم من حوله ويشكر ربه عليها، فأنت لا تعلم كم من الوقت ستدوم هذه النعم، ولا تعلم عن ظروف غيرك، فهناك من يتمنى رغيفاً من الخبز لكي يطعم أطفاله ولا يعلم على أي حال سيصبح غداً، عندنا تشعر باليأس لسبب عابر أحزنك وأوهمك أن أبواب السعادة أغلقت في وجهك وأنك لن تصبح سعيداً بعد اليوم؛ أحسن ظنك بالله واطمئن واستبشر خيراً ولا تدع لليأس طريقاً في حياتك، فكل تلك الأفكار ما هي إلا أوهام، والواقع هو أن كل شيء سيصبح على ما يرام، فالله لم يضعك في هذا الظرف إلا وهو يعلم أنك سوف تتخطاه كما لو أنه لم يكن، وكما قيل «إن الله لا يعطي أصعب المعارك، إلا لأقوى جنوده» ومثلما أن الفرح مؤقت، فالحزن مؤقت أيضاً، كما قال تعالى {إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا} سورة الشرح.
أكاد أجزم أن الصحة الجيدة هي أعظم نعمة يمكن أن يمتلكها أي إنسان، ولا نشعر بقيمتها إلا عندما نفقدها، فمثلاً عندما تُصاب بالحمى وقتها فقط سوف تستشعر عظم نعمة الصحة الجيدة وسوف تتذكر كيف كنت تمشي بسلاسة وتتحدث مع الآخرين وتذهب إلى عملك وتخرج مع أصدقائك، وفجأة يتلاشى كل ذلك بسبب وعكة صحية بسيطة وتصبح أشبه بجماد لا يستطيع التحرك من مكانه وليس بإمكانه القيام بمهامه اليومية كما في السابق، ويوماً بعد يوماً تستعيد صحتك بحول الله وقوته رويداً رويداً وهنا سوف تقوم بمراجعة حساباتك، لأن هذه الوعكة الصحية التي مررت بها ذكرتك بقيمة نعمة الصحة الجيدة وحينها سوف تدرك قيمة النعم الأخرى وسوف تستشعر النعم من حولك.. سواء من صحة جيدة، عائلة مُحبة، أصدقاء داعمين، منزل دافئ، وظيفة جيدة، طعام شهي.. و الكثير من النعم التي لو عددّتها لن أحصيها، فنعم الله علينا كثيرة لا تعد ولا تحصى، كما قال تعالى {وَإِن تَعُدّوا نِعمَةَ اللَّهِ لا تُحصوها إِنَّ اللَّهَ لَغَفورٌ رَحيمٌ} سورة النحل» .
ختاماً، قال سبحانه و تعالى {أَفَرَءَيتُمُ الماءَ الَّذى تَشرَبونَ ءَأَنتُم أَنزَلتُموهُ مِنَ المُزنِ أَم نَحنُ المُنزِلونَ لَو نَشاءُ جَعَلناهُ أُجاجًا فَلَولا تَشكُرونَ} سورة الواقعة، تخبرنا هذه الآية العظيمة عن أهمية استشعار النعم من حولنا في كل يوم وفي كل دقيقة، فهناك من لا يملك تلك النعم التي لدينا أو حتى واحدة منها، يجب علينا أن نشعر بالشكر والامتنان لما أنعم الله به علينا من نعم عديدة، لأنه بالشكر تدوم النعم.