مشعل الحارثي
أسفت كثيراً عندما تلقيت متأخراً خبر وفاة والدة أديبنا وشاعرنا المتألق الدكتور عبدالله محمد صالح باشراحيل السيدة الفاضلة مصباح عبدالواحد زقزوق وانتقالها إلى مضاجع الراحلين تغمدها الله بواسع رحمته وأسكنها فسيح جناته، وما حجبني عن مواساتهم حينها ومشاركتهم أحزانهم إلا المرض الذي لازمني الفراش لأكثر من شهر، ولكن هكذا هي فواجع الأيام وآلامها ومواجعها تكدر دائماً صفو الحياة وسعدها وتنتزع منا كل حبيب وقريب، وهذا هو الموت الذي نجفل منه ومن ذكره خائفين وجلين فيلاقينا ولو بعد حين.
وكل مصيبات الزمان وجدتها
سوى فرقة الأحباب هينة الخطب
فكيف إذا كان الفقيد أحد الوالدين وخاصة الأم ذلك النبع الذي يفيض بالرحمة والمحبة والحنان وأعظم رمز إنساني للعطاء، بل هي نبع الحياة وهي البقاء الذي يسري في العروق، وبرحيلها يقفل باب من أبواب الجنة وينطفئ قنديل من قناديل الحب الكبير وتورث في النفوس حزناً يدوم مكثه بين الجوانح والقلوب.
لها منزل تحت الثرى وعهدتها
لها منزل بين الجوانح والقلب
وكيف لنا أن ننسى الأم وذاكرتنا موشومة بصورتها المبجلة وباسمها ورسمها وهمسها وشمسها وظلها، كيف ننساها وهي الباقية في الوجدان وأجمل قصيدة نتغنى بها في حياتنا.
عليك سلام الله يا أمي التي
بكتك رجال والنساء العواطف
رحلت وفي صدري أزيز مراجل
وبركان أوجاع من البين جارف
رحلت فحل الحزن بالبيت غرة
وفجعنا ريح من الخطب قاصف
رحلت فظل الحزن بعدك سامراً
وأرقني جفن عن النوم عازف
رحلت وفي الإحسان منك شواهد
وفزت بسبق لم ينله الخوالف
رحلت وعند الله عفو وجنة
وروح وريحان بها الظل وارف
فصبراً صبراً آل باشراحيل وأنا أعلم أن هذا الأمر الجلل والفقد العظيم قد ترك فراغاً كبيراً في حياتكم وأنكم لازلتم تتجرعون حزنكم وصمتكم وآهاتكم وكلماتكم الحبيسة وخشخشة صدوركم الملتاعة بالألم ووجيب الحزن والأسى، ولكن تذكروا دوماً صبر والدتكم وتفانيها من أجل تربيتكم وصلاحكم برفقة واهتمام والدكم الراحل محمد صالح باشراحيل رحمه الله رحمة الأبرار، وتذكروا أنكم ودعتم أماً كريمة الخلق طيبة المعشر، ومن فضليات النساء صلاحاً وتقوى وعقلاً وحكمة ومروءة ولطفاً، وأبقت لكم ذكراً حسناً خالداً يظل صداه مدى العمر، فالله الله في برها والإحسان إليها وإلى والدكم الجليل حتى بعد رحيلهما طيب الله مضجعهما بالرضى من رب غفور، وبأكاليل النور والفرحة والسرور.
(مصباح) عمري قد أضوى على زمني
وروضتي لجديب الحزن والهم
عين ترود السنا تسمو به أمدا
بين الصلاة وبين الطهر والعلم
كم تسأل الله بالإحسان يغمرنا
وبالصلاح وبالتقوى وبالعزم
أفديك بالقلب هل وفيت؟ معذرة
إني اجترأت فما وفيت يا أمي
يا شمعة في ظلام العمر تغمرني
وبسمة في زمان الضيق والغم
حبيبتي، رفعتي، عزي، وسيدتي
وتحت أقدامها فيض من الغنم
ولا يسعني في الختام وبعد أن عادت نفس الفقيدة إلى بارئها راضية مرضية مطمئنة بإذن الله ورحمته إلا أن أتقدم بخالص التعازي والمواساة لأسرة آل باشراحيل وأخص بالذكر منهم ابنة الفقيدة الكبرى عائشة محمد صالح باشراحيل، وأشقاءها كلاً من الدكتور عبدالله، والمهندس تركي، والدكتور سمير، وفواز، ومها، ومازن، ولأسرة الزقزوق يتقدمهم شقيق الفقيدة الأديب مصطفى زقزوق وأنسابهم وأصهارهم كافة، سائلاً المولى عز وجل أن يلهم أهلها وذويها ومحبيها الصبر والسلوان، وأن يرحم الفقيدة الغالية التي لم يعد بيننا وبينها إلا الدعاء، وأن ينظر إليها بعين لطفه وكرمه، ويرفع درجتها في المهديين ويجعل الفردوس الأعلى نزلاً لها مع المحتسبين والمخبتين والصالحين الأخيار، و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.