عبدالوهاب الفايز
مع انطلاق بطولة كأس العالم في الدوحة الأحد المقبل، يتحول اهتمامنا جميعاً إلى هذا الحدث التاريخي الكبير في المنطقة، فحتى الذين يهجرون الرياضية ولا تشدهم كثيرًا، يبقى كأس العالم، ولأسابيع عدة، شاغل الدنيا وخاطف الأنفس والأبصار، وجامع الناس. والآن الحدث يأخذنا إلى مراقبة حالة الاحتفاء الشعبي الكبيرة بهذه المناسبة، بالذات حالة الفرح التي نلمسها بوضوح لدى (الشباب الخليجي)، فهذه الشريحة لا تسعها الفرحة.. ودخلت منذ أسابيع في حالة شعورية واجتماعية حيث تستعد للحضور والمشاركة، وانشغلت بترتيب الاشتراك في القنوات الفضائية المحلية والعالمية، ودخلت في نقاشات حماسية درامية حول ترتيب أولويات متابعة المباريات.
والجميل الإيجابي أن هذا الفرح والاهتمام الشبابي يلقى استجابة الجهات المنظمة وتعاون الأجهزة الحكومية الخليجية الأمنية، وقطاعات النقل والإيواء، فكلها تكرس جهودها لتسهيل مشاركة الشباب ومساعدتهم في رحلة الفرح هذه، والإيجابي المهم هو: الاستمرار بتذكيرهم بمنظومة القيم والأخلاقيات التي تربوا عليها، وذلك حتى يعكسوها في سلوكهم ومشاعرهم، فالهدف الأكبر هو: أن يتحقق لنا جميعاً نجاح هذه البطولة التاريخية.
نجاحها هو نجاح للشعوب العربية، فنحن في نظر العالم كيان واحد، وهذه الحقيقة يجب أن تصل إلى الأجيال الجديدة حتى تعرف العبء والمسؤولية التي عليها. سلوكها وجميع تصرفاتها وطريقة التعبير عن مشاعرها ستكون معيارًا للحكم والتقييم على الشعوب العربية، والرياضة من أهم أدوات (الدبلوماسية الشعبية) حيث تتسرب عبرها الصور الإيجابية أو السلبية عن الشعوب والدول.
لذا ضروري أن تعرف الأجيال الشابة أهمية الرسالة التي تحملها للعالم عن نفسها وعن بلادها. الرياضة نشاط إنساني حضاري، ومن أهدافه السامية التربية على مهارة التعاون لتحقيق أهداف مشتركة عبر آليات المنافسة الشريفة، وعبر التخطيط العلمي المحترف الذي يستثمر الجهود والطاقات.. أي أنها ليست حالة صراع ونزاع، فالفوز الحقيقي ليس في كسب النقاط وتحقيق الأهداف، الفوز الحقيقي يأتي من الروح المعنوية والأخلاق السامية حين الانتصار أو الخسارة، فالكبير يتواضع عند الفوز ولا ينكسر حين الخسارة. الكبير يحلل أسباب الفوز أو الهزيمة حتى يستمر في التعلم. وهذا الذي نتطلع إليه من الحدث الرياضي الأبرز.
هذه البطولة تستحق المجهودات الكبيرة التي كُرِّست لها من جميع المسؤولين والمهتمين بالرياضة والأنشطة الشبابية حتى تتحقق بشكل رائع. لقد واجهت قطر تحديات عدة دولية وإقليمية وسياسية، وتحدي متطلبات التنظيم، والأصعب كان وما زال تحدي المحافظة على الهوية العربية والإسلامية، وتحدي إدارة الصوره الذهنية، وتحدي الطقس. والتحدي الأخير تمت معالجته عبر تأخير موعد البطولة، وعبر إدخال بعض التقنيات للملاعب حتى يناسب الطقس جميع المنتخبات عبر استخدام تقنية تثبيت الحرارة في الملاعب المفتوحة عند 27 درجة مئوية في جميع الأوقات.
التحديات الأبرز لقبول طلب الدول لاستضافة البطولة هو تحدي البنية الأساسية الرياضية، والتنظيم، وخدمات الاستضافة والإيواء. ولكن الحكومة القطرية كانت مستعدة لمواجهة التحديات. وأبرز تحدي تواجهه الدولة المنظمة للبطولة المكلفة هو استثمار البنية الرياضية بعد البطولة. طبعاً قطر لم تنظر إلى الإيرادات المحدودة المتوقعة من كأس العالم مقارنة بحجم الإنفاق الضخم الذي تجاوز 200 مليار دولار، والذي يعد الإنفاق الأكبر في تاريخ البطولة مقارنة بإنفاق روسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا حيث لم يتعد متوسط الإنفاق قرابة 8 مليارات دولار.
لا أعتقد أن هذا الإنفاق مقلق، فهو استثمار سوف يجني ثمارة الشعب القطري والشعوب الخليجية التي تتجه إلى تكامل اقتصادي وسوق مشتركة. دولة قطر تنتقل إلى حقبة معيشة جديدة، فالاستثمارات في البنية الأساسية سوف تخدم احتياجاتها التنمية المستدامة لعقود عدة. وحتى الملاعب الكبرى لن تكون التحدي الأكبر مثل (ملعب لوسيل)، والذي يعد الأكبر خليجياً بسعة 86 ألف متفرج.
هذه البنية الرياضية سوف تكون عنصر جذب ونجاح لأية أنشطة رياضية نوعية مستقبلية في قطر أو في دول الخليج، أي ستكون قاطرة نجاح للمشروعات الكبرى النوعية التي تخدم تطور قطاع الرياضة الخليجية وتعظم قيمته ومنافعه الاقتصادية. القطاع الخاص الخليجي سيكون المستفيد الأكبر إذا استطاع الإبداع في بناء المنتجات الرياضية، مثل إنشاء الأكاديميات التعليمية التي تخدم النشاط الرياضي وتأخذه ليكون صناعة مؤسسة محترفة. كذلك هذه البنية الرياضية الضخمه تقدم فرصة لبناء قطاع خليجي صحي رياضي يخدم خدمات العلاج والتأهيل، والمنطقة تفتقد للمراكز المتقدمة في هذا المجال.
تنظيم هذه البطولة مكسب إنساني وحضاري واقتصادي للمنطقة، والفوز بهذه البطولة كان مهمة أقرب إلى الاستحالة. فلم تكن الرحلة لتحقيق هذا الحلم سهلة على إخواننا في قطر منذ بداية تقديم طلب الاستضافة. كان عليهم مواجهة جبال من التحديات والمصاعب، وهذه لم تنته بعد.. فالمتربصون الساعون لإفشال البطولة لم يدخروا جهدهم، فقدموا ذرائع حقوق الإنسان، والأسواء طرح حقوق الشاذين! وهذه الورقة هي التي بقيت في أيديهم، ولن تكون ذات أهمية، وإخواننا في قطر ماضون في جهودهم لإنجاح هذه البطوله، ونجاحها هو نجاح لنا وللخليج وللعالم العربي.