د. فهد صالح عبدالله السلطان
كتب الله لهذا البلد الكريم أن يكون ملتقى الأفئدة التي تتجه لعبادته، وغاية العقول التي تطمح في الارتقاء والعمل الشريف واكتساب الرزق. يضم وطننا الكريم بين جنباته أكثر من 120 جنسية تعمل مع مواطنيه لبنائه وتنهل من خيراته وتتمتع بروحانيته وأجوائه وتشرب من عذب مائه وتتنفس نقاء هوائه. البعض يقيم فيه لمدة طويلة ربما تتعدى نصف عمره. معظم الوافدين إن لم يكم كلهم يقعون في حب هذا البلد وأهله بمجرد مرور فترة وجيزة من إقامتهم فيه. هناك مقولة متداولة في الحي الدبلوماسي: السعودية هي البلد الذي تبكي مرتين إذا قدمت إليه. تبكي إذا أتيت إليه لأول مرة وتبكي عند مغادرته.
شاء القدر أن يجلس بالمقعد القريب مني في رحلة دولية متجهة إلى المملكة مواطن دولة غربية.. سألته عن مقصده فقال بابتسامة عريضة إلى بلدي الأم.. ولأن الرحلة متجهة إلى المملكة فقد أثار ذلك فضولي واستغرابي. فتابع قائلاً: المملكة هي فعلاً بلدي الأم، فأنا أعمل في مستشفى الملك فيصل التخصصي منذ أكثر من ثلاثين عامًا.. أي أنه قضى جل عمره في المملكة. ليس هذا هو المهم، المهم هنا أنني وجدت أن الرجل يحمل كنزًا من المعلومات عن المجتمع وعن برامج التنمية وبيئة العمل لدينا بما فيها من نقاط ضعف وقوة.. ولديه رؤى جميلة لتحسين بيئة العمل وإعجاب كبير بالقيم الاجتماعية.... إلخ، وفي رحلة أخرى ذكر لي أحد المهندسين من جنسية غربية أيضًا يعمل في مركز الملك عبد الله المالي عددًا من التحديات التي تواجه مدراء المشاريع في قطاع الإنشاءات والتطوير العمراني في المملكة وأن معظمها يعود في درجة كبيرة إلى عقود البناء والتشييد التي غالبًا ما تكون ضعيفة وتفضي إلى نشوء مشاكل أثناء التنفيذ.
الذي أردت أن أصل إليه هو أن هؤلاء الوافدين ممن انتهت خدماتهم لدينا يمثلون منجمًا كبيرًا لتطوير أعمالنا ومعرفة نقاط القوة ونقاط الضعف في برامجنا التنموية وسبل تحسين هذه ومعالجة تلك.
لدينا أكثر من عشرة ملايين وافد يعملون في كل القطاعات تقريبًا. وعلى افتراض أن 1 % منهم يقعون في دائرة الخبراء والمهنيين فإننا نودع بين الفينة والأخرى مائة ألف خبير ومهني معظمهم يحمل معلومات مهمة لنا كتغذية مرتدة عن أداء الأعمال لدينا ونقاط القوة ومكامن الضعف في الآلية التنفيذية لبعض برامج التنمية.
والسؤال المطروح هنا هو هل يمكننا الاستفادة من هذه النخبة من الخبراء والمهنيين عند انتهاء عقود عملهم ومغادرتهم المملكة، وذلك من خلال قيام من تنتهي فترة تعاقده بالمملكة بتعبئة استبانة عن مرئياتهم لبعض جوانب العمل في المملكة وعما يرونه يمثل تحديات في القطاعات التي عملوا فيها وسبل التغلب عليها... الخ. في تقديري أن ذلك سيمكننا من بناء قاعدة معلومات عريضة عن أهم التحديات التي تواجهها بعض القطاعات التنفيذية الخاصة والعامة وسبل تطويرها وتحسينها، وتلافي الوقوع فيها مستقبلاً.
والله الهادي إلى سواء السبيل،،،