حمد بن عبدالله القاضي
*إمضاء وفاء ومطر عطاء
قراءة بكتاب «حب بالخمسين»
لمؤلِّفه د. عبدالله صادق دحلان
** الوفاء كما يقول الجاحظ تاج السجايا
وقد صدق
فإن كل أمر جميل منبعه الوفاء أكان للدين أو الوطن أو الإنسان.
هذا الكتاب الذي أسطّر هذه الحروف عنه لمؤلِّفه د. عبدالله بن صادق دحلان «حب في الخمسين» هو وفاء جميل ومضيء لشريكة عمره.
* * *
الكتاب أيقونة حب وقنديل إيفاء وقليلاً بالأدبيات العربية والعالمية ما نقرأ مثل ذلك، فأغلب ما في مدونات الشعر والنثر يتوجه للمرأة الحبيبة والمعشوقة
* * *
لكن هذا الكتاب نمط آخر وأفق مغاير فالمؤلف كان حبه ووفاؤه لزوجته وأسرته.
بدأه بإهداء عذب صادق:
«إلى رفيقة دربي وحلم طفولتي وسندي بعد الله زوجتي الحبيبة سحر محمد موصلي».
وهذا الأهداء جاء بعد خمسين سنة زواج وليس بشهر أو سنة العسل وهذا هو الحب الصادق والوفاء الباقي
وترجمت الصورتان هذا الحب. صورة زواجهما بوجه الغلاف بشهر العسل والصورة الثانية بعد تمام خمسين على هذه الشركة بغلاف الكتاب.
* * *
بدأ بقصة الحب الصادق والعفيف بينهما منذ بداية شبابهما وكان كان خاتمته هذا الزواج السعيد والشراكة الحياتية الباقية.
لقد تعلَّق بها منذ رآها من بعيد وكان ينظر لها بصمت ولا يجرؤ على الحديث معها، ونما هذا الحب وازداد..
كانت هي من أسرة كريمة وكان يعتبر والدها ووالدتها كما والديه فأضاءت إشعاعات الحب بقلبه نحوها.
* * *
وما أبهى رواية المؤلف الكريم لقصة الحب المستدام معدداً من واقع تجربته الحياتية والزوجية الناجحة الجداول التي استمرت متدفقة فاستمر هذا الحب والشراكة مع شريكة العمر.
* * *
يطوف بأحد فصول بما يعكِّر أحياناً الحياة الزوجية التي تحدث بين زوجين ولكن بتحكيم عقلهما وبجذوة الحب بقلبهما سرعان ما تنتهي ولا يبقى لها أثر
وكم هي مؤثّرة حكاية قصة هذا الخلاف بينهما
ففي ذات ليلة افترقا متخاصمين لكن لم يلبث قليلاً حتى رآها تأتي للغرفة التي ينام بها لتطمئن عليه وهل أخذ دواءه وهل إلتحف بغطائه ثم تغادرهز وقد ينتهي كل شيء بينهما.
وروى قصة أخرى حين ظهرت إشاعات أنه تزوج بأخرى فانزعجت زوجته وتضايقت كثيراً لكن أم صادق لم يطل انزعاجها طويلاً فقد كانت واثقة من حبه لها.
* * *
كشفت صفحات الكتاب وفصوله وعند تحقيق إخلاص ووقفات زوجته معه بكل مراحل حياته، حيث يرجع أي نجاح بدراسته وأعماله حققها إلى زوجته التي ساندته وهيأت له المناخ المريح للإنجاز فهي كما كتب: كانت خلف كل منجز بحياته بما نهضت بها من أسباب الراحة ورعاية الأولاد وحسن التعامل.
ودوماً الأوفياء هم من يعتمرون الامتنان لمن كانوا الساعد الذي ارتكزوا عليه حتى حققوا آمالهم وبخاصة ممن هم أقرب الناس إليهم
* * *
لقد تذكَّرت هذه السجيَّة عند المؤلف د. دحلان.. تذكَّرت علاَّمة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر حين اقتضى الوفاء منه أن يعيد الفضل لحرمه أم محمد السيدة هيلة العنقري بما أنجزه بمسيرته الأدبية والتاريخية لشريكته الوحيدة التي رهنت نفسها لخدمته وتهيئة الأجواء المريحة ليفرغ للبحث والتأليف وللغوص بأعماق التاريخ بحثاً وكتابة وأسفاراً
وقد وثَّق الشيخ حمد هذا الوفاء منها بكتابه»سوانح الذكريات» واختزل ما دونه بهذه الكلمات:
«ويقتضي الوفاء أن أعترف بما كان لزوجتي من جهود كان لها أعمق الأثر في اجتياز أبنائها وبناتها مراحل دراستهم بطريقة مرضية، ولما لها من آراء سديدة، ونظرات صائبة، وعزيمة قوية، وبذلك أتاحت لي من الاستقرار والانصراف للعمل المثمر أطول فترة من الزمن عشتها، «
* * *
اللافت والجميل أن المؤلف د. عبدالله دحلان رغم مسؤواياته وأعماله مشاغله لم يجعلها همه الأكبر، بل ارتهن بمربعه الأوَّل لزوجته وأولاده حتى سفراته كلها كانت مع زوجته وأولاده بحسب ظروفهم،ك وفصل الكتابة عن رحلاته الممتعة تحدث عن ذلك بسطر مزدانة بالصور التي تحمل ذكريات عذبة.
* * *
وفي ص 71 من كتابه يكشف سر قوة العلاقة مع زوجته وبقائها متوهجة طيلة خمسين عاماً..
«الحياة الزوجية إذا لم يحافظ عليها الطرفان فستواجه أعاصير وزوابع وقد تكون نهايتها الفشل، وأجزم أن بقاء حبي لسحر لمدة خمسين عاماً لم يكن بعد إرادة الله ومشيئته صدفة أو حظاً وإنما عملنا سويًا على المحافظة على هذا الحب، فلم نختلف»
وقد أورد قصصاً مؤثّرة عن هذه العلاقة
* * *
أما أبناؤه وأحفاده فقد أفرد لهم فصلاً كاملاً وتحدث عنهم حديث الأب الحاني والوالد الحنون وكيف كان حريصاً مع والدتهم لتربيتهم على القيم الرفيعة ولتفوقهم الدراسي ومساعدتهم باختيار زوجاتهم الفاضلات من أسر كريمة فكان أبناؤه صادق ومحمد ومهند ناجحون كوالدهم بفضل الله. وكريمته الوحيدة «دينا» فهي كما قال عنها»عين أبيها وأمها» وهي الأخرى نجحت بدراستها وعملها وحرص على اختيار الزوج الصالح لها وكونا شركة حياة سعيدة.
* * *
وما أجمل وصاياه لأبنائه وبناته وأحفاده وهي نصائح ثمينة لحياة سعيدة بتوفيق الله وهي موجهة لكل ابن وابنة.
لقد كتب عشرين وصية ذهبية كان أولها تقوى الله والتمسك بسنة رسوله عليه الصلاة والسلام والحرص على رعاية حب زوجاتكم ليسعدوا معهم.. إلخ
هذه النصائح التي بلغت 20 نصيحة جاءت ثمرة تجربة د. عبدالله ومحصلة السعادة التي حصل عليها بحياته.
* * *
وصدق صديقه وزميله السابق بمجلس الشورى د. عبدالله بن برجس الدوسري حين ثمَّن هذا الكتاب النفيس مبلوراً أسباب ما وفّق الله أبا صادق له لأن يجد الراحة بعشه الزوجي.
* * *
وختم الكتاب بقصيدة جميلة أهداها لزوجته أم صادق بعد (50) عاماً من الحب ومنها:
«مجد دعاكِ وبالوفاء دعاني
حب تجسَّد مهجتي وكياني
خمسون عاماً والحياة سعيدة
سحر الوفاء وذكرها بلساني
تصفو الحياة بقربها وحنانها
سحر الحياة ومنطقي وبياني
يا من ملكتِ في الفؤاد مكانة
عُمق الوفاء وللحياة معاني
أهديتِ لي من فضل ربي «صادقاً»
خير الرجال وساعدي وبناني
«ومحمد» قد جاء يكمل فرحتي
فكأنَّما قد عشت عُمراً ثاني
«ومهند» عبق الحياة ونورها
فسجدت لله الذي أعطاني
وأضاءت الدنيا ب» دينا» بهجة
فأضاءت شمعي زاهي الألوان
خمسون عاماً من حياتي عشتها
صفو الحياة وصحة الأبدان
فشكرت ربي واهبي كل المُنى
رب العباد وخالق الإنسان
ودعوت ربي أن يطيل في عُمرِنا
والدار يبقى شامخ البنيان
* * *
كتاب يستحق القراءة فهو بمضمونه حقائق ماثلة وليست خيالات مجنحة، وقصص واقعية جاذبة وصاغ حروف كلماته بحروف جميلة ومفردات سهلة كما هي سجاياه وقد جاء بإخراج جميل وورق صقيل ولوحات مصورة سجَّلت يوميات حياته.