بداية لا أستطيع إخفاء حقيقة أن الحديث عن الفيزياء مهما حاول المتخصصون تبسيطه يبقى حديثاً ثقيلاً على النفس، لذلك فضلت أن أكون ناقلاً أكثر من كوني مناقشاً، مع أن فضولي يسحبني أحياناً لمجادلة بعض الأفكار!
تتلخص فكرة مؤلفي الكتاب ستيفن هوكينج، وليوناردو مولدينوو في كتابهما الصادر عن دار التنوير للطباعة والنشر عام (2015م) في فكرتين رئيسيتين، الأولى أن الكون محكوم بقوانين، والثانية فكرة الـ M-Theory. فيما يخص الفكرة الأولى أشارا إلى أن الفيلسوف طاليس المالطي كان من أوائل الذين فكروا بوجود قوانين تحكم الكون، وسنن يمكن حل شفرتها. ثم أتى بعده ديموقريطس والذي فكر بأنه ينبغي ألا يمكن الاستمرار في تقطيع شيء إلى ما لا نهاية، فتوصل إلى فكرة الذرات وأنها أساس كل شيء في الكون، وأن كل الذرات تتحرك فيما حولها في الفراغ إذا لم تتم إعاقتها، ومنها نشأ لاحقاً ما يسمى «بفيزياء الكم» التي تدرس الذرات وما تحتها.
كما تطرقا لنظرة العلماء حول العلاقة بين القوانين ووجود الخالق. فهناك من يربط هذه القوانين بوجود مصدر خالق لها، ومن هؤلاء نيوتن، الذي يؤكد أن القانون لا يتغيّر إلا بقدرة خالق الكون، وهذا يذكرني برأي لحجة الإسلام أبو حامد الغزالي، والذي ضرب مثلاً بنار إبراهيم عليه السلام والتي جعلها الله برداً وسلاماً مخالفة بذلك القانون المعتاد على أنها تحرق. وديكارت الذي يأخذ حلاً وسطاً بين المؤمنين والملاحدة، فهو يؤمن بأن القوانين موجودة، ولكن الله تركها تعمل دون تدخل منه، وهناك فئة تربط القوانين بذاتها أي أنها أوجدت نفسها بنفسها ومن هؤلاء هوكنج ورفيقه في الكتاب.
أما الفكرة الثانية فهي فكرة الـ M-Theory وهي عبارة عن مجموعة نظريات تشكل المفهوم النهائي للكون، وتشبه تجميع الخرائط بجانب بعضها البعض لمعرفة شكل الأرض، فخريطة واحدة لا تكفي لمعرفة شكل الأرض وكذلك نظرية واحدة لا تكفي لفهم الكون. فعندما يأتي شخص ويصف الأرض بأنها غابات فقط لأنه عاش في غابات، وآخر يصفها بأنها صحراء لأنه عاش في صحراء، فكلا الاثنين على حق، المسألة فقط في تركيب الخرائط مع بعضها، فالصحراء والغابات والأنهار ... إلخ، كلها مكونات تشكل الأرض، وكذلك فإن النظرية النسبية، والجاذبية، والفيزياء الكمومية، والانفجار الكبير، والأكوان المتعددة، ونظريات أخرى تطرق لها الكتاب كلها تشكل مفهوم كيفية تشكل الكون وبداية ظهوره، ومنها يرى صاحبي الكتاب أنه لا حاجة لتدخل إله في خلق الكون، ذلك أن الكون ينشأ تلقائياً من العدم، وتنشأ منه أكوان متعددة نتيجة تفاعلات القوى الفيزيائية الكمومية تحديداً.
أخيراً ...
الإشكالية التي وقع فيها المؤلفين هي أن إلحادهما قادهما إلى أن وجود القانون دليل على صحة فكرة الإلحاد، مع أن العكس هو الصحيح، فوجود القوانين والسنن الكونية ليست إلا أدلة تؤكد على وجود الله سبحانه وتعالى، لمن أراد ان يطمئن قلبه ...
ما بعد أخيراً ...
يقول تعالى: {إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب}.
** **
- خالد الذييب