الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حينما أراد الله وصف نبيّه صلى الله عليه وسلم لم يصف نسبه، أو ماله أو شكله، لكنه قال تعالى:
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.
مما يتأكد أن قيمة الإنسان الحقيقية بأخلاقه وسلوكه الطيب.
"الجزيرة" استطلعت رؤى عدد من المختصين في العلوم الشرعية والقانونية والاجتماعية لمعرفة كيفية نشر ذلك للآخرين، والسبل الكفيلة لترسيخ القيم الأخلاقية في نفوس أبنائنا، وبالذات في هذا الزمن الذي يشهد الكثير من السلوكيات المشينة، والتصرفات غير المحمودة في أوساط المجتمع.
القدوة العليا
يؤكد الدكتور سعيد بن مرعي السرحاني أستاذ الفقه بجامعة الملك خالد بأبها: أن قيمة الإنسان الحقيقية تتجلى في أخلاقه في نفسه وتعامله مع غيره، ولا يقدر أحد أن يسع الناس بماله، لكن بحسن تعامله وأفعاله؛ فالناس لا تحتاج إلى مالك ولا علمك بقدر ما يحتاجون ابتسامة وطلاقة وجه ولين جانب ونصيحة دافئة وملاطفة غير مخلة ولا مملة، وقال بعضهم: "بين كسب القلوب وكسرها حرف واحد في السطر، وبون واسع وفرق شاسع في الصدر، ولن تجد أرفق ولا أشفق ولا أوفق من هذا بأخلاق الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم، ولو كنت فظًا غليظ.. زكاه ربه بخلقه، {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}. "أي عاليًا به، مستعليًا بخلقك الذي من الله عليك به، وحاصل خلقه العظيم، ما فسرته به" جمع له الخلق كله ووصفه بالعظيم.. هو القدوة العليا لكل مسلم والمقرب المحبوب من كل مؤمن مع طول السنين ومرور العصور والدهور؛ فهو الناصح والأمين والصادق المبين والقريب من قلوب المؤمنين، والمشفق على جميع المسلمين؛ فمن رآه أحبه ودخل حبه شغاف قلبه ونياط فؤاده ومن لم يره ود أن لو رآه لغمره بفيض مشاعره؛ فما من خلق حسن ولا كلمة طيبة ولا نصيحة مشفقة إلا وقد كانت منه عليه الصلاة والسلام وأمر بها ودل عليها، بعثه الله لتمام مكارم الأخلاق، وتمام محاسن الأفعال". فحري بكل صاحب أدب رفيع وذوق بديع أن يتخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم، وحري بكل شهم كريم وعقل سليم ومنطق حكيم أن يقتدي بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
الخلق العظيم
ويستهل الدكتور سامي بن عبدالله العبيدي رئيس الغرفة التجارية الصناعية بالطائف حديثه: بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أحبِّكم إليَّ، وأقربِكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنَكم أخلاقًا".
ولعل هذا الحديث وغيره من الأحاديث النبوية، كفيلة بأن نضع حسن الخلق، وحسن التعامل مع الآخرين في أولوياتنا، وخلال حياتنا اليومية.
ناهيك عن الوصف الإلهي للنبي محمد في كتابه الكريم (القرآن).. عندما وصفه بالخلق العظيم، وهو إشارة ودليل رباني كريم بأن الخلق العظيم هو أهم وصف للإنسان، وقد باتت المسئولية أكبر في هذا الزمن، مع سرعة وتغير الأحداث، وغزو وسائل التواصل الاجتماعية لبيوتنا جميعا، حيث باتت المهمة أصعب، وسط جيل يصارع كثير من التقنيات، "ولا يلام".
لكن الخير في هذه الأمة دائماً، ومهما تعددت السلبيات في التعامل اليومي، تظل شواذاً.
إن ندرة القدرات، يعد أكبر تحدٍ لهذا الجيل، بعد أن تسيد (بعض) الفارغين في محتواهم المشهد، لكن ما زال هناك بعض الحسابات، والقنوات، والأشخاص تقدم ما هو مفيد، وقيم -إذا سلمنا أن هذه الوسائل والمواقع أصبحت الشاغل الأكبر، ولها النصيب الأكبر من الوقت-.
ورسالتي لأولياء الأمور، والمعلمين والمعلمات والقادة؛ هي أن فطرة أبنائنا وبناتنا سليمة، وتحتاج للتوجيه المستمر فقط، لينمو جيل ذا خلق.
إن حسن الخلق لابد أن يكون في كل أمور الحياة، مع الصغير قبل الكبير، مع المرؤوسين قبل القادة، حتى مع العمالة؛ فهو سلوك شخصي، لا يمكن تجزئته لأناس دون آخرين، ولابد أن تكون هذه صفتك في حياتك اليومية؛ فلا أجمل أن تتصف بما وصف الله به نبيه بأنك على خلق عظيم.
اللبنة الأساسية
ويقول الدكتور خالد بن عبدالقادر الحارثي المستشار الاجتماعي: ما طرحتموه من حراك تربوي حول الخلق كقيمة نبوية كريمة يعد في غاية الأهمية في هذا التوقيت الذي نشفق فيه على أبنائنا مما يواجهونه من مؤثرات أثر التطور المتسارع للحياة والصدمات الحضارية التي تتعاقب على المجتمع ككل وعليهم هم بالأخص، لذا لابد أن نراعي كجيل سابق فارق التوقيت والمعيشة وما تهيأ فيها من سبل، وكلنا يعلم أن القيم هي اللبنة الأساسية التي يبنى عليها المنهج التربوي الذي نربي عليه أبنائنا سواء في منظومة الأسرة أو المدرسة أو الحي أو المسجد، ولكن ابتلينا بما فاق قدرتنا كمربين سواء معلمين أو أولياء أمور، ولا نملك منعه وإنما مسايرته وفق ضوابط محددة قدر الإمكان وحسب أعمار الأبناء، أنه العالم بأسره في جهاز بأيديهم يتصفحون فيه بلمسات ما يؤثر على سلوكياتهم ومعتقداتهم وثقافتهم وفطرتهم وحتى وطنيتهم، ويبقى الدور الأهم على الأسرة في غرس وتعزيز القيم لأنها كما وصفت تربويًا الخلية الاجتماعية الأولى في المجتمع وعلى صلاحها وقوتها واستقامتها يتوقف صلاح المجتمع وقوته وتماسكه، قال تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ}.
وأشاد الدكتور خالد الحارثي بما يقوم به دعاة الخير من المشايخ وبعض المؤثرين بوسائل التواصل الاجتماعي من مبادرات تتمثل في تواجدهم بشكل كبير على تطبيقات وبرامج التواصل الاجتماعي حيث يكون موجودًا باستمرار الجيل المستهدف بالنصح والتوجيه كبديل لمنابر المساجد ومثلها من أماكن إقامة المحاضرات كما كان سابقًا، وأصبحنا نرى الدعاة يشاركون شبابنا على بثهم ويغيرون أساليب خطابهم ليناسب طريقتهم وتقبلهم للكلمة، ومنهم من يوجه بنصح في رسالة لا تتجاوز دقيقة واحدة وتنتشر بين العامة لتختصر محاضرة لأكثر من ساعة بمسجد أو حصة تربية إسلامية بمدرسة.
واختتم الحارثي حديثه قائلاً: أبناؤنا -ولله الحمد والشكر- فيهم خير كبير يتجلى من خلال إنكارهم كما نلاحظ لما يخالف فطرتهم وتربيتهم أو أخلاقهم أو نخوتهم إذا طُرحت قضية رأي عام على سبيل المثال في تويتر تستمتع وأنت تتابع بفخر واعتزاز سلامة منطقوهم وحُسْن تربيتهم وقوة جدارتهم في مواجهة الخطأ.