حمّاد بن حامد السالمي
- يوم الثلاثاء؛ واسطة عقد أيام العمل الأسبوعية؛ ما صلته بالأدب والأدباء..؟
- بداية؛ فإن أيام الأسبوع عند العرب قبل الإسلام؛ كانت لها مسميات تختلف عما هي عليه اليوم، فـ (يوم الأحد هو الأول. ويوم الإثنين هو الأوهد أو الأهون. ويوم الثلاثاء هو الجُبَار- قيل لأنه محطة جُبر لباقي أيام الأسبوع، ولأنه وصل بين أوله وآخره- ويوم الأربعاء هو الدُّبار. ويوم الخميس المؤنس. أما يوم الجمعة فهو: عروبة. والسبت شيار). قال شاعرهم النابغة الذبياني وهو يجمع أيام الأسبوع في بيتي شعر:
أؤمل أن أعيش وأن يومي؛
لأول أو لأهون أو جُبار
أو التالي دُبار فإن أفته
فمؤنس أو عروبة أو شيار
- أما أبو نواس الشاعر الشهير؛ فقد جمع أيام الأسبوع بمسمياتها الجديدة في العصر الإسلامي في واحدة من تجلياته حيث قال:
فلم نزَلْ في صباح السبتِ نأخذُها
والليلُ يجمعُنا حتى بَدا الأحَدُ
حتى بدَتْ غرّةُ الإثنين واضحةً
والسعْدُ معترِضٌ والطّالعُ الأسَدُ
وفي الثلاثاء أعْمَلْنا المَطيَّ بها
صهباءَ ما قَرَعَتْها بالمِزاجِ يَدُ
والأربعاءُ كسَرْنا حَدَّ سَورتِها
والكأسُ يضحكُ في تيجانِها الزّبَدُ
ثمّ الخميسُ وصَلناهُ بليلتهِ
قصْفاً، وتمَّ لنا بالجمعةِ العدَدُ
- وفي العهد الإٍسلامي كذلك؛ بدا أن الأدباء والشعراء يميزون يوم الثلاثاء من بين أيام الأسبوع؛ لغرض أو أغراض لهم.. فهذا ابن الرومي يقول فيه:
يومُ الثلاثاء ما يومُ الثلاثاءُ
في ذِروة من ذُرا الأيام علياءِ
كأنما هو في الأسبوعِ واسطةٌ
في سِمْطِ دُرٍّ مُحَلٍّ جيدَ حسناءِ
- وهو الشاعر الآخر الذي جمع أيام الأسبوع الجديدة في قصيدة واحدة، وجعل لكل يوم وظيفة، وجعل وظيفة الثلاثاء الحجامة.. وينسبها بعضهم إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه تشيعًا على ما يبدو. قال ابن الرومي:
لنِعْمَ اليومُ يومُ السبتِ حقّاً
لِصَيْدٍ إنْ أردْتَ بِلا امتِراءِ
وفي الأحدِ البِناءُ لأنّ فيهِ
تبدّى اللهُ في خَلْقِ السماءِ
وفي الإثنين إنْ سافرْتَ فيه
ستظفرُ بالنجاحِ وبالثراءِ
ومَنْ يُرِدِ الحجامةَ فالثّلاثا
ففي ساعاته سفْكُ الدماءِ
وإنْ شرب امرؤ يوماً دواءً
فنعم اليوم يومُ الأربعاءِ
وفي يومِ الخميسِ قضاء حاج
ففيه الله يأذن بالدعاءِ
وفي الجمعات تزويج وعرس
ولذّات الرجال من النساءِ
- من الملاحظ هنا؛ أن يوم الثلاثاء يشكل حضورًا بارزًا في حياة أدبائنا المعاصرين كذلك، فهو يوم تلاق ومثاقفة وتجديد عهد ببعضهم، فهذا ظاهر في المنتديات والصالونات الأدبية الخاصة على وجه خاص في المملكة العربية السعودية. يسمونها فيقولون: (ثلوثية أو ثلاثائية)، فعلى سبيل المثال: في جدة: (ثلوثية الطيب- محمد سعيد طيب)، وفي الرياض كثير منها مثل: (ثلوثية المشوح- محمد بن عبدالله)، وثلوثيات: (بامحسون، والمصمك، وأحمد التويجري، والسديري، وفايز الحربي)، وفي عسير: (ثلوثية النُّصْب)، وفي القطيف: (الثلاثاء الثقافي)، وفي المبرز: (ثلوثية المغلوث)، و(النخيل في الأحساء).. إلى غير ذلك في عديد المناطق والمدن السعودية.
- وفيما يبدو كذلك؛ أن صلة الأدباء بيوم الثلاثاء في وقتنا الحاضر؛ ليست جديدة، وليست مقصورة على أدباء العربية. لنأخذ مثالًا على ذلك: (غابرييل غارسيا ماركيز) في أقصوصة: (قيلولة يوم الثلاثاء (la sieste du Mardi)، التي تعد أفضل ما كتب. كان قد تخيلها ذات مرة؛ فرأى فيها امرأة وبنتًا ترتديان ثياب الحداد، وتعبران الشارع تحت وطأة شمس حارقة في إحدى القرى الكولومبية النائية. هكذا لاح في فكره خيال هذه الشخصية (الأم) الحزينة والمسحوقة، التي تحاول أن تواجه ظروف حياتها المهينة بكل شجاعة للاحتفاظ بما تبقى لديها من كرامة وتقدير لذاتها، كما تحاول الإبقاء بكل حب تمنحه على طريقتها الخاصة؛ على أواصر الاحترام والتضامن بين أفراد عائلتها.ولماذا يوم الثلاثاء..؟ فلأن ليوم الثلاثاء في المعتقدات الشعبية لتلك البقعة من العالم؛ موقعًا خاصًّا ضمن باقي أيام الأسبوع، فهو يوم نحس عندهم.
- بالعودة إلى حياة أدباء وشعراء العربية فيما قبل مئة عام؛ نستشف هذه الصلة وهذا الترابط بين الإنسان الأديب، وبين الزمان الذي هو (يوم الثلاثاء)، ولنقف عند واحد من هذه الأمثلة، ذلك أن (ميّ) الأديبة؛ بدأت حياتها الاجتماعية بأن أعدت في بيتها صالونًا يجتمع فيه الأدباء وأهل الفكر والسياسة يوم الثلاثاء من كل أسبوع، وكان يضم أسماء ذات وزن ثقيل في مجالها، منهم عميد الأدب العربي طه حسين، وشيخ العروبة أحمد زكي، وشيخ الشعراء إسماعيل صبري، وأمير الشعراء أحمد شوقي.
- وكان يوم الثلاثاء؛ يومًا مقدسًا عند رواد صالون (ميّ)، قلما يتخلف منهم أحد في هذا اليوم عن ريادته وزيارة مي؛ إلا إن كان مريضًا أو على سفر، ويقول في ذلك إسماعيل صبري في رثاء (ميّ) صاحبة الصالون:
روحي على بعض دور الحي حائمة
كظامئ الطير تواقًا إلى الماء
إن لم أمتع بميّ ناظريّ غدًا
لا كان صبحك يا يوم الثلاثاء
- مي زيادة؛ (1886- 1941)؛ أديبة وكاتبة عربية، كان اسمها الأصلي: (ماري إلياس زيادة)، واختارت لنفسها اسم مي فيما بعد. أتقنت تسع لغات. وَصَف د. طه حسين صالونها قائلًا: (كانَ صالونًا ديمقراطيًا مفتوحًا، وقد ظَللت أتردد عَليه أيّام الثلاثاء إلى أن سافرتُ إلى أوروبا لِمُتابعة الدِّراسة، وأعجَبني مِنهُ؛ اتِّساعَه لِمذاهب القَول وأشتاتِ الكلام وفُنون الأدب، وأعجَبَني مِنهُ؛ أنَّه مَكان لِلحديثِ بِكل لسان، ومُنتدى لِلكلام في كُل عِلم). أما أمير الشعراء؛ فيقول قصيدة تترجم انطباعاته عن ميّ وصالونها الثلاثائي:
أُسائلُ خاطريْ عمّا سباني
أحُسْنُ الخَلْقِ أمْ حُسْنُ البيانِ
رأيتُ تنافسَ الحُسْنينِ فيها
كأنّهما «لِمَيّةَ « عاشقانِ
- أعتذر عن التطويل في المقال والتقصير في البحث في آن، ذلك أن علاقة الثلاثاء بالأدباء وطيدة، والبحث فيها طويل وممتع.