د.عبدالرحمن بن علي العريني

تتميز الظاهرة الاجتماعية بتداخل وتعدد العوامل المؤثرة فيها، وتسارع المتغيرات المرتبطة بها؛ لذا يعد بعضها مستعصياً أمام مصممي البرامج التنموية، مما كان سبباً في قصور الحلول المقدمة للمجتمع المستهدف لسد احتياجه الفعلي، وهذا بدوره قاد الحراك العلمي والتنموي لوضع أهداف التنمية المستدامة، وإدارة الأثر والابتكار والاستثمار الاجتماعي، مما يعطي دلالة أننا نواجه تحديا في معالجة مشكلاتنا الاجتماعية. واستشعرت بعض المنظمات غير الربحية هذا التحدي وشكلت تحالفات لمواجهته، كما في المملكة المتحدة، والولايات المتحدة الأمريكية، وألمانيا وغيرها من الدول، وسميت هذه التحالفات لاحقاً الشبكات غير الربحية، ولها نجاحات مميزة، والشبكات غير الربحية هي مجموعة من المنظمات غير الربحية (جمعيات أهلية، مسؤولية اجتماعية، أوقاف) تشترك فيما بينها بأهداف مشتركة أو حقل عمل واحد، وتتميز بوجود ثقة متبادلة بينها، وتنفذ مجتمعة دراسات الاحتياج وتحديد التدخل المطلوب، وتتوزع الأدوار بينها؛ لتقدم حلولا متكاملة وشاملة لمشكلة أو تحد يواجه المجتمع.

إن مثل هذه الشبكات لا يمكن أن تتشكل إلا بدعم حكومي (الجهات الحكومية المشرفة) وبالشراكة مع مجالس الجمعيات (التنسيقية أو الفرعية)، ويمكن من خلالها بناء أطر عمل وشراكات تحدد من خلالها الفجوات أو التحديات في حقل الدراسة، وبمشاركة جميع المكونات تبدأ عملية ابتكار الحلول التي تسهم في تحقيق المستهدفات ومعالجة التحديات. إن مشاركة كل منظمة أو جهة في هذه الشبكة في كل مرحلة من مراحل العمل أمر في غاية الأهمية؛ لضمان الاستمرارية، وتكامل الحلول وشموليتها.

إن الهدف الأساسي من هذه الشبكات هو بناء وتنفيذ حلول متكاملة وشاملة للمشكلات والتحديات المجتمعية؛ مراعية جميع العوامل المؤثرة والمتغيرات، وهذا بدوره سيضمن نجاعة الحلول، وتحقيق وتعظيم الأثر المستهدف، وهو ما تصبو إليه المنظمات غير الربحية، وهذا سيعالج الهدر الناتج من تبني حلولٍ جزئية تعالج أجزاء المشكلة المجتمعية، ويتلاشى أثرها بغلبة متغيرات جديدة أو عوامل أخرى لم تُؤخذ بالحسبان.

إن الحلول المتكاملة تبنى بمشاركة جميع الأطراف بدءاً من دراسة المشكلة وتحديد الاحتياج، وتمتد إلى التنفيذ والتقييم وقياس الأثر والتطوير، وكأن المنظمات في الشبكة تعمل كفريق عمل واحد تقوده إستراتيجيته المحددة للقضاء على المشكلة المجتمعية أو التحدي والاحتياج الذي يواجهونه، وهنا تكون الشراكة فاعلة ومثمرة، وتكون الحلول ناجعة ومفيدة.