د. أحمد محمد الألمعي
كانت الأحلام جزءًا مهمًا في كثير من الحضارات القديمة مع اختلاف النظرة لها من حيث تفسيرها ودلالاتها. فقد عُرف عن السومريين نظرتهم بأن للأحلام علاقة بالأرواح، فاعتقدوا أن الأروح الشريرة تسبب أحلامًا مخيفة، بينما الأرواح الطيبة تسبب الأحلام السعيدة. وأعتقد الصينيون أن جزءًا من روح الشخص يصعد أثناء النوم ويختلط بأرواح أو أشباح أخرى وتتفاعل معها، وهذا ما يسبب الأحلام بأنواعها. كما اعتقد قدماء المصريين بأهمية الأحلام وكانوا يجهزون لها أماكن النوم المريحة لكي تجلب الأحلام السعيدة. فالأحلام ليست حكراً على سن أو دين أو جنس معين، كما أن هناك اعتقادًا علميًا بأن بعض الحيوانات من ذات القدرات العقلية المتقدمة لها القدرة على الحلم أثناء النوم. ونرى الكثير ممن يستغل تفسير الأحلام للربح المادي عن طريق اللعب على عواطف ونفسية من يسعى لتفسير الأحلام، فيعطي الوعود بالربح المادي ويعد بالزواج للعانس وغير ذلك من السيناريوهات الخبيثة التي يمارسها البعض مع من هم في حالة يأس، ويتلاعبون بمخيلات هؤلاء بسبب الجهل العام بهذا المجال، ويصورون الخرافات من حولها ويستخدمون أساليب الدجل والشعوذة.
من ناحية نفسية كان لعالم النفس التحليلي النمساوي سيجموند فرويد أول تفسير أقرب ما يكون للأبحاث العلمية الحالية، وقد نشر ذلك في كتابه تفسير الأحلام الذي طبع في عام 1899م. فقد رأى أن الأحلام هي «الجسر الملكي إلى اللاوعي أو اللاشعور»، وهي تعبير عن غرائز إنسانية غير مقبولة اجتماعياً تسبب صراعاً نفسياً وتظهر في هيئة أحلام، وهي تنفيس للرغبات المكبوتة التي لا يمكن للشخص أن يمارسها في حياته بسبب كونها محرمة أو غير قانونية، فتظهر من خلال نافذة الأحلام في نوع من التنفيس الذي لن يكون له تبعات أو عقاب، إلا أن هذه الأحلام قد يكون لها أحياناً تأثير نفسي يطول أو يقصر بحسب أهميتها ومحتواها. فعلى سبيل المثال عندما يكون شخص تحت تأثير ضغط نفسي من رئيسه في العمل الذي يسيئ معاملته، قد يحلم بأنه يعنف رئيسه أو أن رئيسه يعتذر له أو غيرها من مواقف مشابهة في هذا السياق. والسيناريو نفسه قد ينطبق على مراهق يحس بأن والده يسيئ معاملته ويضع له قوانين تعسفيه وغير مقبولة في رأيه الشخصي.
من الثابت علمياً أن غالبية الأحلام تعكس التجارب اليومية للشخص أو تجارب سابقة بنسبة أقل، وتظهر للرائي بصفة رمزية قد يتعرف الرائي على العلاقة بينها وبين الحلم أو قد لا يدرك ذلك، فالتجارب اليومية والتجارب المختزنة في الذاكرة من الماضي يتم حفظها في الدماغ وتظهر في اللاشعور أو الأحلام التي هي جزء من العقل الباطن في صور مختلفة. فمن المعروف أن كثيرًا من سلوكيات البشر كما هو مثبت علمياً هي انعكاس لتجارب العقل الباطن السايقة وخاصة في مرحلة الطفولة، وهي تشكل تأثيرًا كبيرًا على قراراتنا وسلوكياتنا دون أن ندرك ذلك ودون وعي منا في أحيان كثيرة. ومثال على الرمزية في الأحلام هو أن يحلم الشخص بأنه يحمل أو يرى سيفًا، وقد يكون ذلك رمزية لموضوع يتعلق بشخص اسمه سيف، وقس على ذلك في كثير من الأمثلة. وهناك أحلام شائعة ذات دلالات معيَّنة نشرت في دراسات علمية سابقة، مثل من يحلم بكونه عريان، فقد تشير إلى أنه أقدم على عمل مُخجل ويخاف أن ينكشف سره، كما أن هناك من يحلم بالسقوط من طائرة أو مبنى شاهق، ويدل ذلك على فقدان السيطرة التي يحس بها الشخص حيال موضوع أو موقف معين.
هناك 4 مراحل للنوم في كل دورة من دورات النوم في حياة كل شخص، وهي مميزة ويمكن تحديدها من خلال تتبع الوظائف الحيوية والفسيولوجية للجسم وتخطيط الدماغ أثناء النوم، كما أن هناك أنواعًا معينة من اضطرابات النوم التي تحدث في مراحل معينة من فترات النوم. فأول مرحلة تبدأ بالاستلقاء والاسترخاء تمهيدًا لبدء النوم وتدوم تقريبًا عشر دقائق يكون الشخص فيه بين اليقظة والنوم، ويحدث أحياناً أن يمر الشخص ببعض الهلاوس التي قد تكون مخيفة أو تظهر بشكل حقيقي، وقد تتكرر في فترة ما قبل الصحو، ولها أسماء علمية محددة وهي طبيعية في الغالب، كما تخف في هذه المرحلة الأولى ضربات القلب والتنفس. يتبع ذلك مرحلة بدايات النوم العميق 1-2 ويستمر فيها الجسد في تخفيض عمليات الأيض وتخفيض درجة حرارة الجسم كما تستمر ضربات القلب والتنفس في الانخفاض، ويمكن التعرف على هذه المرحلة من النوم بوجود أشكال معينة على تخطيط الدماغ تسمى غزل أو مغازل النوم. يتبع ذلك مرحلة النوم العميق 3-4 وهي مرحلة لاوعي تام ومهمة لكي يحس الجسم بالراحة ويتم خلالها إفراز كثير من الهورمونات والنواقل العصبية التي تسهم في نمو الجسم والتخلص من السموم ويحصل فيها بعض اضطرابات النوم مثل المشي أثناء النوم أو التبول أو الصراخ عند الأاطفال, ولن يتذكر الشخص أيًا من ذلك عندما يفيق من النوم. يتبع ذلك المرحلة الرابعة أو ما يسمى مرحلة النوم التي تكون فيها حركة العين سريعة، وتتخللها الأحلام التي نتذكرها عندما نصحو بمختلف أنواعها وطبيعتها. وجميع ما ذكرت هي مراحل لدورة من دورات النوم مدتها 90-120 دقيقة وعادة ما يمر الشخص النائم بأربع إلى ست دورات مما ذكرت خلال مدة النوم الزمنية التي تختلف من 6-8 ساعات في المتوسط للشخص البالغ.
ومن الثابت أن هورمون الميلاتونين يفرز بكميات كبيرة أثناء النوم وله علاقة بانخفاض الضوء الداخل للعين ليلاً، كما أن هناك الكثير من التغييرات في النواقل العصبية التي تحدث في المخ أثناء الحلم/ النوم، كما أن كثيرًا من العقاقير الطبية والمخدرات لها تأثير على كمية ونوعية الأحلام كما أن للحالة النفسية للشخص تأثيرًا مماثلاً. وقد تسبب الصدمات النفسية والتجارب المؤلمة كوابيس متكررة لسنوات طويلة. كما أن الأبحاث الفسيولوجية والأشعة إشارات إلى أن أجزاء معينة من المخ مثل الفص الأمامي تكون في حالة خمول أثناء الحلم، بينما تكون أجزاء أخرى من الدماغ «اميجدالا» لها دور في الذاكرة والعواطف نشطة.
قدم لنا العلم بفروعه الكثير من التفسيرات حول موضوع الأحلام وما زال هناك الكثير من الألغاز، وقد تفسر لنا الأبحاث العلمية المزيد في المستقبل، وسبحان الله إذ قال {وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً}.