رمضان جريدي العنزي
كل شيء في هذه الدنيا يدور ويتحرك، أبداً لا يبقى ولا يستقر على حال، فالحياة إلى موت، والتمدد إلى انكماش، وقوة الإنسان إلى ضعف ووهن، ومنصب اليوم سيذهب للغير غداً، وما كان للإنسان اليوم سيكون لغيره غداً، وكل ما يفعله المرء سيكون له أو عليه، لا الصحة تدوم، ولا الجاه ولا المال، ولا القصر المنيف ولا المركب الفاخر ولا المنصب العالي، إن دوام الحال من المحال، إلا أن هناك أناسًا ينسون ذلك ويعتقدون أن مناصبهم ومراتبهم وأموالهم وصحتهم خالدة دائمة، لذا نراهم دائماً منتفخين وجلين، في أعينهم غشاوة، وفي عقولهم عطب، وفي قلوبهم مرض، عندهم غرور عالٍ، ونفخة كاذبة، ونظرة واهية، وما علموا بأن الغرور والانتفاخ والتعالي مقبرة وعدو ومستنقع، يعيشون الحيل والمكائد، والتدليس والخداع، والتمثيل والادعاء، من أجل دنيا آنية فانية، إن الجزاء من جنس العمل، وكما تدين تُدان، والدنيا دوَّارة، وللحياة تقلّب عجيب، واستقرارها على حال محال، والحياة لا تعترف بالثوابت، والدنيا دولاب، والزمان قلاَّب، فكم من غني أصبح فقيراً، وكم من فقير أصبح غنياً، وكم من عليل أصبح صحيحاً، وكم من صحيح أصبح عليلاً، وكم من فاشلاً أصبح ناجحاً، وكم من ناجحاً أصبح فاشلاً، وكما يفعل المرء يفعل به، وكما يصنع يصنع به، وكل فعل سيلقى المرء نظيره، فمن بر بوالديه سيجد البر من أبنائه، ومن عقَّ بهما سيجد العقوق منهم لا محالة، ومن ظلم يظلم ولو بعد حين، ومن ستر على مبتلىً ستره الله في الدنيا ويوم القيامة، ومن يسَّر على معسر يسَّر الله عليه، ومن نفَّس كربه على صاحب حاجة نفَّس الله عليه كرباته، ومن أقال عثرة أقال الله عثرته، ومن جبر خاطراً جبر الله خاطره، ومن تجاوز تجاوز الله عنه، ومن أنفق أنفق الله عليه، ومن عفا عفا الله عنه، ومن رحم رحمه الله، ومن أحسن أحسن الله إليه، ومن تتبع عورات الناس تتبع الله عوراته، ومن نمَّ بالناس نمّ به، ومن ضر أحد سيضره الله ذات يوم، ومن خذل أحداً سيخذله الله. إن الخير والشر نقيضان، فالطاعة عكس المعصية، والحق ليس كالباطل، والثواب نقيض العقاب، وبالخير تسمو الحياة، وترتقي الأمم، وبالخير تعلو القيم العليا وتكبر، وبالخير يسود الناس السعادة والعدالة والجمال، وبالشر يعم الظلام والحزن والكآبة، قال تعالى {وَتِلْكَ الأيام نُدَاوِلُهَا بَيْنَ الناس}، وقال عليه الصلاة والسلام (خَيْرُ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُُ، وَشَرُّ النَّاسِ مَنْ طَالَ عُمْرُهُ وَسَاءَ عَمَلُه)، وقال أيضاً عليه الصلاة والسلام (خَيرُ النَّاس أنفعهم للنَّاس)، إن على الإنسان الحكيم العاقل اللبيب الارتقاء إلى مرتبة الإنسانية الحقة، وأن يستثمر سلوكه وأخلاقه وعطاءه في نتائج إيجابية تخدم البشرية، وتفيد الحياة، وتزرع البياض في كل زاوية ومكان، بعيداً عن دائرة العتمة، وحيز الظلام، وحب الذات، ونرجسية الأنا، وأن يتحرَّى الخير ويستكثر منه حتى يعتاد عليه، جاعلاً منه حقيقة يمارسها بواقعية تامة، بطيب قلب، وصفاء نفس.