«الجزيرة» - الاقتصاد:
يتوقع الاقتصاديون في جميع أنحاء العالم أن يدخل العالم في حالة ركود قريبًا، حيث يستمر التضخم في الارتفاع بينما تقوم البنوك المركزية العالمية برفع أسعار الفائدة بعد التأخر في إدراك شدة التضخم. ومع ذلك، أظهر استطلاع حديث للبنوك المركزية أنه على عكس فترات الركود السابقة فإن معدلات التوظيف هذه المرة أعلى بكثير، مما يشير إلى أن الركود سيكون أقصر ولكن في الوقت نفسه من المتوقع أن يظل التضخم ثابتًا، ونتيجة لذلك، قد تمدد البنوك المركزية دورة رفع أسعار الفائدة إلى ما بعد الهدف الحالي. كان تأثير التضخم على توقعات النمو الاقتصادي واضحًا في التوقعات الاقتصادية العالمية الصادرة عن صندوق النقد الدولي مؤخرًا والتي أدت إلى خفض توقعات نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2022 للأسواق الرئيسية بما في ذلك الهند والصين والولايات المتحدة. علاوة على ذلك، من المتوقع أن تؤدي المشكلات الجيوسياسية المستمرة نتيجة للصراع الروسي-الأوكراني بالإضافة إلى القضايا بين الولايات المتحدة والصين مرة أخرى إلى وضع مشكلات سلسلة التوريد في المقدمة والتأثير على التجارة العالمية.
جاء ذلك وفقاً لتقرير كامكو إنفست حول مستجدات التضخم في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وكشفت أحدث البيانات الصادرة عن صندوق النقد الدولي أن النشاط الاقتصادي العالمي يواجه حالياً معدلات تضخم مرتفعة ووصولها إلى اعلى مستوياتها منذ عقود من الزمن بالتزامن مع تباطؤ اقتصادي واسع النطاق. ووفقاً لتقرير آفاق الاقتصاد العالمي الأخير، توقع صندوق النقد الدولي أن يصل معدل التضخم العالمي إلى 8.8 في المائة في العام 2022 مقابل 4.7 في المائة في العام 2021 (مراجعة تصاعدية بنسبة 0.5 في المائة مقارنة بتوقعات تقرير يوليو 2022) على أن ينخفض إلى 6.5 في المائة في العام 2023. وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن الاقتصاد العالمي يواجه ثلاثة تحديات رئيسية تتمثل في الصراع الروسي الأوكراني، وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي في الصين، وأزمة ارتفاع تكاليف المعيشة بسبب تفاقم معدلات التضخم.
وأدى تزايد الضغوط التضخمية على مستوى العالم إلى رفع معدلات الفائدة بوتيرة سريعة ومنسقة في معظم دول العالم، الأمر الذي أدى إلى تشديد الأوضاع النقدية العالمية. وكان لرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة الأمريكية في إطار مساعيه لكبح جماح التضخم انعكاسات بارزة على الاقتصاد العالمي، وذلك نظراً لمكانة الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية. هذا، وتربط دول مجلس التعاون الخليجي عملاتها بالدولار الأمريكي باستثناء الكويت التي قامت بربط عملتها بسلة من العملات الرئيسية المختلفة. ووفقاً لوكالة بلومبرج، من المتوقع أن يرفع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة مرة أخرى بمقدار 75 نقطة أساس في نوفمبر 2022، ثم يتبع ذلك رفع بمقدار 50 نقطة أساس في ديسمبر 2022، ليرتفع بذلك متوسط النطاق المستهدف لسعر الفائدة القياسي إلى 4.5 في المائة بنهاية العام 2022. كما يتوقع أيضاً أن تقوم البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي باتباع خطى الاحتياطي الفيدرالي من خلال رفع معدلات السياسة الخاصة بكل منها.
وعلى صعيد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصفة عامة، كان لارتفاع معدلات التضخم تداعيات أسوأ بكثير على مستوردي الطاقة مقارنة بدول مجلس التعاون الخليجي المصدرة للطاقة بصفة رئيسية. حيث شهدت الدول المستوردة للطاقة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا زيادة هائلة في مستوى الديون الخارجية بسبب ارتفاع تكلفة واردات الطاقة، وعليها التعامل مع ذلك من خلال رفع أسعار الفائدة بوتيرة سريعة، الأمر الذي من المتوقع أن يؤثر سلباً على النمو الاقتصادي. الوضع ليس سيئًا بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي في ظل السياسات الداخلية التي تحمي ارتفاع أسعار السلع وكذلك نتيجة انخفاض تأثير ارتفاع فواتير الطاقة التي يتم دعمها من قبل معظم الحكومات في المنطقة.
وكشفت الهيئة العامة للإحصاء عن ارتفاع معدل التضخم في السعودية بنسبة 3.1 في المائة على أساس سنوي في سبتمبر 2022، فيما يعد أعلى معدل نمو شهري يسجله المؤشر على أساس سنوي منذ يونيو 2021. وكانت فئات المواد الغذائية والمشروبات والنقل هي الدافع الرئيسي لارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين، إذ شهدت زيادة بنسبة 4.3 في المائة و3.8 في المائة، على التوالي. أما على أساس شهري، استقر أداء مؤشر أسعار المستهلكين في المملكة خلال شهر سبتمبر 2022 وسجل ارتفاعاً هامشياً بنسبة 0.3 في المائة مقارنة بمستويات أغسطس 2022.
ووفقاً لصندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للسعودية بنسبة 7.6 في المائة، ليصبح بذلك اقتصاد المملكة أحد أسرع الاقتصادات نمواً على مستوى العالم في العام 2022 بدعم من الإصلاحات الداعمة لبيئة الأعمال وارتفاع أسعار النفط. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار السلع المستوردة، إلا أنه من المتوقع أن تتمكن المملكة من احتواء معدل التضخم في حدود 2.8 في المائة هذا العام، كما يحد ذلك من رفع البنك المركزي السعودي لأسعار الفائدة بالاتساق مع تدابير مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. إضافة إلى ذلك، تعيد الحكومة السعودية مرة أخرى طرح بعض تدابير الإعانات الحكومية للحد من تأثير التضخم على الأسر ذات الدخل المنخفض. حيث خصصت الحكومة السعودية 9 مليارات دولار أمريكي إضافية لبرامج يهدف إلى تخفيف تداعيات التضخم على المواطنين مثل برنامج صغار مربي الثروة الحيوانية وبرنامج حساب المواطن.
وتعتبر المملكة من أفضل الدول في مواجهة عاصفة التضخم التي اكتسحت العالم، وذلك بفضل تحسن أوضاع المالية العامة وزيادة الإيرادات غير النفطية إلى جانب ارتفاع عائدات الصادرات النفطية.