د. محمد بن إبراهيم الملحم
انتهى المعلمون والمعلمات مؤخراً من أداء اختبار الرخصة المهنية والذي قدمته هيئة تقويم التعليم والتدريب، وكان حديث المجتمع وتندره كذلك، وهو متوقع في مثل هذه المواقف، ولا بأس بقليل من الطرافة والفكاهة في شأن له جديته وقيمته، وهذا ما أراه، فالاختبار له أهمية كبرى عندي، والمعلمون الذين يدخلون إلى فصول مدارسنا ويتعاملون مع أبنائنا وبناتنا فلذات أكبادنا لابد أن يكونوا على درجة مشرفة من المعرفة والإلمام التربوي، ولا يكفي أن يحرزوا درجات في اختبارات كليات أودبلومات التربية بالجامعة والتي قد تتراوح فيما بينها من حيث الجدية من كلية إلى كلية ومن أستاذ إلى آخر، سواء في الجانب النوعي للعطاء أو حتى في الجانب الكمي لموضوعات المادة التربوية التي ربما يختصرها أو يختزلها بعض الأساتذة ليريح نفسه ويحصل على إعجاب طلابه.
الاختبارات المعيارية (على غرار اختبار الرخصة المهنية) تعدها جهات متخصصة تبذل في إعدادها الجهد والوقت وكثيراً من المال والمتابعة والاهتمام حتى تخرج بصورة علمية مقننة ومضبوطة، وهو ما فعلته الهيئة ممثلة في مركز قياس التابع لها وفريق العمل المتميز فيه، لا أقول ذلك مجاملة لهم ولكن لأني عرفت عدداً منهم عن قرب وخبرت ما يتميزون به من الجودة العلمية والجدية المهنية وقبل ذلك إخلاصهم لوطنهم ومهمتهم النبيلة للارتقاء بالتعليم، كما يكفيك أن تطلع على منتجات المركز المنشورة من أدلة ومعايير وشرح وافٍ لكيفية بنائها بصورة علمية متقنة لتفهم مقدار المهنية التي يحرص عليها المركز، لا يوجد عمل ليس عليه ملاحظات ولكنما منتجات مركز قياس تغلب عليها الجودة التي يقال عنها: تغطي وفرة حسناتها قليل صغائرها. ولقد أثبت المركز قيمته في الاختبارات المقننة بدءاً باختبار القدرات الخاص بطلاب المرحلة الثانوية ومروراً باختبار الرخصة المهنية، وأثق أن هناك بعده كثيراً من الاختبارات سيواصل المركز تقديمها بنفس المهنية العالية التي يتحلى بها وأعتبرها مضرباً للمثل في جودة الأداء بين مؤسساتنا الحكومية.
ربما يتضايق بعض المعلمين والممارسين التربويين من إلزامهم بأداء هذا الاختبار، وهذا طبيعي في بداية هذه الممارسة الجميلة والتي سبقتنا إليها دول كثيرة ومنذ زمن بعيد، وكان لها دور مهم في توفير نخبة تربوية متميزة من المعلمين في مدارسها عندما تتحدث معهم تناغي أذنك في حديثهم مصطلحات الفكر التربوي ومبادئه وكأنما أنت تتحدث إلى أستاذ جامعي متخصص في التربية فمفردات مثل: الدافعية، الحوافز، مستويات الإدراك، أنماط الذكاء، الفروق الفردية، منحنى النسيان وأمثالها لن يكون غريباً أن تجري على لسان معلم المرحلة الابتدائية في بريطانيا أو أستراليا أو فنلندا (مثلاً) وهم يتحدثون معك في الشأن التربوي وبيداغوجيا التدريس، وهذا ما يجب أن يكون عليه معلمونا ومعلماتنا بعد سنوات من اليوم وباستمرار اختبارات الرخصة المهنية في العمل ومع تطورها عاماً بعد عام.
الجميل أيضا أن هناك اختباراً تخصصياً في محتوى المادة التي سيدرسها المعلم أو المعلمة (رياضيات - عربي - علوم - دين - إنجليزي وغيرها) وهذا يجعل المعلم على المحك في مواجهة المحتوى الذي درسه في الجامعة وربما نسيه غالباً وآن له الآن أن يعاود مراجعته «بإتقان» لا من أجل أن يقدم اختباراً لأستاذ وضح لهم الموضوعات «المهمة» التي يجب التركيز عليها كما يجري غالباً في مؤسساتنا وأكاديمياتنا التعليمية مع الأسف وإنما سيقدم اختباراً شاملاً يتناول كل الموضوعات وكل التفرعات ويقيس جميع المهارات ليضمن لنا أن من يقدمون المادة العلمية لطلابنا في الصف هم معلمون ومعلمات متمكنون. يجب أن لا ندفن رؤسنا في الرمال ففي الماضي وجد معلمون ومعلمات يخطئون في تدريس العلم فمعلم رياضيات أو علوم يحل مسألة خطأ ومعلم لغة عربية يعرب خطأ ومعلم إنجليزي يخلط في بعض قواعدها أو ينطق الكلمات خطأ وهكذا، بل لن أبالغ لو توقعت أن 80 % من قراء هذا المقال مر بعضهم يوماً ما بمعلم أخطأ فيما يقدمه علمياً، لا خطأ السهو (فهذا يقع فيه أفضل المعلمين ولا ينقص ذلك منه) ولكنه خطأ الإهمال في إتقان الموضوع الذي سيقدمه المعلم لطلابه قبل أن يحضر إلى غرفة الصف... شكراً لهيئة تقويم التعليم والتدريب ولمركزها (قياس) على الجهود الرائعة في هذه الاختبارات، وأقول لمعلمينا ومعلماتنا الشباب المتذمرين والمتذمرات رويدكم فسوف تعلمون قيمة هذه الاختبارات عندما ترزقون بأولاد ترسلونهم إلى المدرسة يدرسهم غيركم.