من البر بالمتوفّى أن تصل من كان يصله وتبادر بالسؤال وتفقد الأحوال، ولكن الأستاذ الدكتور أبا أوس إبراهيم الشمسان بنبله وشهامته خطا خطوة إضافية قليل من يفكر فيها ناهيك بأن يفعلها، إذ بادر وهو من هو في العلم والفضل والمكانة بوصل أبناء صديقه الراحل الشيخ محمد بن ناصر العبودي، بل إنه حتى وصل مكتبة صديقه وهذا برّ لم يَسبق أبا أوس إليه أحد فيما أعلم.
بادر بالاتصال واستضافني وأكرمني في بيته بعد نحو ثلاثة أشهر من رحيل والدي، وأهداني نسختين من كتاب «أحاديث في اللغة والأدب» ونسختين من كتاب «أبو أوس إبراهيم الشمسان: كلمات وأبيات شهادات وقراءات أبحاث مهداة» موضحًا أن نسخة لي والأخرى رغب أن توضع في مكتبة والدي رحمه الله، لتكون أول كتب تهدى لمكتبته بعد رحيله.
لم يسع الدكتور الشمسان ما وسع غيره من محبي والدي رحمه الله من الاحتفاء بوالدي أثناء حياته، ولا تثريب عليهم وما على المحسنين من سبيل، أقول لم يسعه ما وسع غيره، بل استمر مخلصًا له حفيًّا به وبنا، نحن أبناء صديقه، حتى بعد الرحيل وانفصام عرى العلاقة الوثيقة التي جمعته بوالدي.
عندما زرته في منزله أغدق الدكتور الشمسان علي من كرمه بجميل العبارة والثناء حتى إني أزعم، بل أوشك أن أؤكد أن مشاعره إنما كانت لعقب صديقه وأن حفاوته هي الواقعة على طريقة ويحب ناقتها بعيري.
خرجت من منزل أبي أوس والسرور يطير بي بعد أن رأيت رجلًا بل علمًا من أعلام بلادنا يذكر والدي بما يثلج صدري، ويقص لي ما لا أعرفه عن علاقتهما ويشرح لي بأسلوبه الحميم المحبب مقدار تأثير التقريض الذي كتبه والدي رحمه الله لكتابه معجم أسماء الناس في المملكة العربية السعودية في نفسه.
والدكتور الشمسان ليس من الرجال المحبين للتصدر والرياسة، بل ربما العكس هو الصحيح؛ فهو من أكثر الناس حضورًا لاثنينية والدي -رحمه الله - لكنه من أقل الناس مشاركة ومن أخفضهم صوتًا رغم أنه هو الأقرب لعلم والدي في مجال اللغة العربية، فوالدي وأبو أوس لغويان وربما كانا هما اللغويين الوحيدين في ذلك المجلس.
لن تجد أبا أوس يتحدث فيما يحسن في الاثنينية ليبيِّن مقدار بضاعته ولا يستجلب الحديث إلى ميدانه ليظهر قوته، بل يجلس بهدوء حتى تخاله من أوسط الناس علمًا وقدرًا وما هو كذلك بكل المقاييس.
كما لن تراه يزاحم رواد المجلس، بل يجلس حيثما انتهى به المكان، ويغادر مع انفضاض الجمع رغم أن بعض المحبين لوالدي من أمثاله يبقى ليصلي العشاء جماعةً مع والدي في ذلك المجلس، ومرد ذلك فيما أظن هو الخشية من أن ينظر له كثقيل يبقى بعد انتهاء دعوته وما هو والله بالثقيل.
أبو أوس عملة نادرة حوت قلبًا يحب الخير للناس ولسانًا يقطر عذوبة مع الناس وعلمًا عظيمًا نفاخر به الناس.