علي خضران القرني
مَدْخلٌ:
كانَ منْ أولويَّاتِ مهمَّاتِ الأنديةِ الأدبيَّةِ عندَ تأسيسِها عام 1395هـ، في عهدِ صاحبِ فكرةِ إنشائِها صاحبُ السُّموُ الملكيُّ الأميرُ فيصلٍ بن فهدٍ بن عبدالعزيزِ آلُ سعودٍ -رحمهُ اللهُ- الرئيسُ العامِ لرعايةِ الشبابِ آنذاك، والَّذي دعمهَا وشجَّعَ مسيرتهَا ماديًّا ومعنويًّا، ومنحهَا الصِّفةَ الاعتباريَّةَ، كانَ منْ أُوْلَى مهامِّها الأخذُ بِأيدِي الشبابِ الواعدِ منْ ذَوِي المواهبِ الأدبيةِ ضِمنَ أهدافِهَا المتعدِدَةَ.
وكانَ منْ طلائعِ الأنديةِ الأدبيةِ في مرحلةِ تأسيسِها ((نادي الطائفِ الأدبيِّ)) ثمَّ توالى تأسيسَها تباعًا، حتَّى وصلَ عدَدُهَا إلى الآن ((16)) ناديًا أدبيًّا.
وكانَ لنادِي الطَّائفِ الأدبيِّ في مراحلهِ الأُولى جهودًا موفقةً ورائدةً في نشاطاتهِ المنبريةِ وإصداراتهِ المتنوعةِ، واجتذابِ العديدِ من المواهبِ الشابةِ والأخذِ بأيديْهَا وإِشراكِها في نشاطاتهِ العديدةِ وطبعِ نِتَاجِها.
وفي عامِ 1417 هـ، نظَّمَ النَّادِي مسابقةً شعريَّةً كبيرةً شاركَ فيها العديدُ منَ المتسابقينَ بمشاركاتٍ شعريةٍ وفازَ بالمركزِ الثالثِ المتسابقُ طلالُ الطويرقيُّ وتمَّ التَّواصلُ معهُ منْ قِبَلِ النَّادِي للحضورِ والتَّعرفِ على هذا الشاعرِ المُلهمِ الذي أدهشتْنا قصيدتُهُ الفائزةُ، وحضرَ والتقَى بسعادةِ رئيسِ النَّادِي آنذاكَ الأديبُ الأستاذُ عليٌّ بن حسنٍ العبَّادي -رحمهُ اللهُ، وكانتْ المفاجأةُ أنَّ الفائزَ بالمركزِ الثَّالثِ في المسابقةِ شابٌّ صغيرٌ في سنِّهِ نحيلٌ في جسمهِ ما زالَ يدرسُ بالمرحلةِ الثانويةِ، ومضتِ الأيَّامُ والشَّاعرُ الطويرقيُّ أحدُ أبناءِ الطائفِ يتألقُ ويبرزُ ويُثري فعالياتِ النَّادِي وغيرهِ منْ مناسباتٍ ثقافيةٍ في شتَّى مناطقِ المملكةِ بإبداعاتهِ الشعريَّةِ منْ خِلاَلِ نشاطاتهِ المستمرةِ، واستطاعَ أنْ يحقِّقَ طموحاتِهِ في دنيَا الشِّعر ويصبح في عدادِ الشعراءِ الشَّبابِ البارزينَ على المستوَى المحليِّ والعربيِّ.
وكمْ أنا سعيدٌ وفخورٌ كواحدٍ من مؤسِّسي وأعضاءِ مجلسِ إدارةِ نادي الطائفِ الأدبِّي ومسؤولهِ الثَّاني سابقًا؛ أنْ أتصفحَ آخر إصداراتِ الشاعرِ الطويرقي الموسومِ بـ ((نوتاتِ الوحشةِ)) الذي يقعُ في (52) صفحةً منَ القطعِ المتوسط، إصدارُ نادي الطائفِ الأدبيِّ لعامِ 1443 هـ المحتوي على (20) قصيدةً منَ الشِّعرِ العربِيِّ المُقفَّى الموزونِ، يضيفهُ إلى إصداراتهِ السابقةِ المتمثلةِ في دواوينهِ الثلاثةِ (ليس مهمًا 2007 م) (وكأنَّ شيئًا لمْ يكنْ 2013 م) و(ذئابٌ 2014 م).
قِراءةٌ في بعضِ قصائدِ الديوانِ:
افْتتحَ الشاعرُ قصائدَ ديوانهِ الجميلةِ المعبرةِ في رُؤَاهَا وأفكارِهَا وأخيلتِهَا، بقصيدةٍ إلى أبيهِ -رحمهُ اللهُ-، بعنوانِ ((اصفرارٌ)) ص11، تنبضُ حروفُهَا بصدقِ البنوَّةِ تِجاهَ الأبوَّةِ ودورِهَا الرَّائِدِ في حياةِ الأبناءِ والأسرةِ؛ ((تربيةً وتعليمًا ونشأةً ومسؤوليةً))، صوَّرَ فيهَا رحيلَ والدهِ بكلماتٍ حزينةٍ، ومَا واجههُ منْ معاناةٍ صِحِّيةٍ أدَّت بهِ في النهايةِ إلى مغادرةِ الحياةِ مأسُوْفًا عليهِ، وهذا حالُ الدنيَا إقامةٌ غيرُ دائمةٍ ورحيلٌ مستمرٌ، ومِنْها:
يتيمةُ كلُّ أيَّامِي أبَعْثرُهَا لعلَّ فيْها جنونَ الطفلِ يختمرُ
يُخبِّئُ الموتُ والأحداقُ مغمضةٌ وأنتَ مرتعشٌ ضاقتْ بكَ السُّررُ
مسرطنٌ والرَّدَى الظَّمآنُ مبتسمٌ يحاصرُ الرُّوحَ إذْ تصفُو لهُ الصورُ
تموتُ وحدكَ والأحداقُ دامعةٌ بياضُكَ المُبتدأُ المحذوفُ والخبرُ
أطفالُكَ البيضُ ضلُّوا في طفولتِهِم كأنَّهُم بعدَ هذا الموتِ ما كبُرُوا
تغنِّي الشاعرُ بالغيومِ في مُعظمِ قصائدهِ ميزةٌ قدْ ينفردُ بِهَا على غيرهِ في رؤاهُ وأخيلتهِ الشعريةِ، وليسَ غريبًا عليهِ ذلكَ فهوَ ينتمي أصلُهُ ونشأتُهُ إلى ديرتهِ ((بلادُ طويرقٍ)) إِحدَى قُرَى ومرتفعاتِ الهدَا بمدينةِ الطائفِ المشهورةِ بأجوائِهَا العليلةِ وتضاريسِهَا الجميلةِ ومرتفعاتِهَا الشاهقةِ ممَّا أكسبَها أنْ تكونَ مُرتادًا للغيومِ والضبابِ مُعظمَ فصولِ السنةِ ومنْ قصيدة ِ((غيم)) ص30 نستمعُ إلى بعضِ أبياتِها:
غيمٌ أطلَّ وخانهُ الخجلُ وتراكمتْ في أُفقهِ القُبَل ُ
ظمآنُ لوْ ضَحِكَتْ مدامِعُهُ حتمًا سيطفرُ منهمَا العسَلُ
ويسيلُ في فرحٍ تُغَامِرُهُ ويذوبُ في أحداقِنَا الغزَلُ
أقمارُهُ تشكُو بلاَ ضجرٍ ما لاحَ في الآفاقِ محتملُ
خوفي تُذكِّرني روائحهُ أيَّامَنَا الأُولَ ى وترتحِلُ
عامانِ قدْ مرَّا ومَا عرفَا واللَّوزُ يضحكُ والنَّدى ثمِلُ
وفي قصيدةِ ((تلويحةُ عتابٍ)) ص19 يصوِّرُ الشَّاعرُ مشاعِرَ أُمِّهِ وهوَ يُودِّعُهَا في سفرٍ قدْ يطولُ وقدْ يقصرُ، وهيَ تبادِلُهُ شعورَ الوداعِ الحزينِ، وهيَ عادةٌ مألوفةٌ لدَى كلِّ أمٍّ عندَ سفرِ أحدِ أبنائِهَا لتحقيقِ هدفٍ منْ أهدافِ الحياةِ، كالوظيفةِ أوِ الدراسةِ ومَا في حُكْمِهِمَا، ورَغْمَ بلوغهِ ورشدهِ إلَّا أنَّهُ يَظَلُّ في نظَرِهَا وحنانِهَا الأمومِي ((كالجنينِ)).
قبلَ الوداعِ أذوبُ في نظراتِها وتشرُّ في رِئَتي الوداعُ حزينًا
ليلًا أفِرُّ إذا أوَتْ لفراشِهَا أخشَى دموعَ وداعِهِا تثنينا
أتذكَّرُ الآنَ الحديثَ إذا رأتْ منِّي الحقائِبَ واستوتْ تبكينَا
ورأتْ جوازَ تشردِي بحقيبتِي بينَ القصائدِ يحملُ العشرِينا
تبكي عليكَ مدامِعِي ومحاجِرِي يبقى المسافرُ إذْ يعودُ سجينَا
كلُ الدفاترِ إنْ ذهبتُ تقودنِي بسطورِ عطرِكَ رعشةً وشجونَا
مهما كبرتَ على حجورِ تدفقِي إنِّي أراكَ وما أردتُ جنينَا
خاتمةٌ:
كانتْ هذهِ قراءةٌ وجيزةٌ في ديوانِ ((نوتاتِ الوحشةِ)) للابنِ الشاعرِ طلالُ الطويرقي وهوَ آخرُ ديوانٍ صدرَ لهُ عامَ 2022م - وكُتبتْ نصوصهُ بينَ عامَي 1997- 2010م، كمَا أشارَ الشاعرُ. وهيَ في مجملِهَا تنطلقُ منْ ديوانِ العربِ للشعرِ العربيِّ الأصيلِ، وحريَّةِ القراءةِ والاقتناءِ.