رواية «التهديد 732» للروائي الفرنسي فريدريك بوتيي تكشف خفايا التيارات اليمينية المتطرفة التي تبث سمومها القاتلة في فرنسا.
الرقم الذي ورد في عنوان الرواية 732 يشير وفقا لما ذكره المؤلف إلى النصر الكبير الذي حققته قوات الفرنجة بزعامة شارل مارتل على المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي سنة 732م في موقعة بلاط الشهداء.
تمنح رواية «التهديد 732» القارئ ثراء معرفيا بالواقع السياسي الصعب الذي تعيشه فرنسا بسبب تنامي خطر اليمين المتطرف.
النزعة العنصرية والمخاطر التي تهدد فرنسا والفرنسيين جراء تغلغل واختراق اليمين المتطرف لمؤسسات الدولة تجسّدها رواية «التهديد 732» تأليف الكاتب الفرنسي فريدريك بوتيي الذي شغل منصب مفوض وزاري سابق لرئيس فرنسا الحالي إيمانويل ماكرون. حازت رواية «التهديد 732» (صدرت عن دار نشر أوب الفرنسية في مايو 2022) على جائزة Edgar Faure الأدبية التي تمنح لأفضل رواية سياسية، وقد تأسست هذه الجائزة الفرنسية عام 2007 تكريما للسياسي المعروف إدجار فور رئيس وزراء فرنسا لفترتين خلال الجمهورية الرابعة الفرنسية في عام 1952 ثم في عام 1955/1956.
أما عن الرقم 732 فانه يشير، وفقا لما ذكره المؤلف، الى النصر الكبير الذي حققته قوات الفرنجة بزعامة شارل مارتل على المسلمين بقيادة عبد الرحمن الغافقي سنة 732 م في موقعة بلاط الشهداء التي نتج عنها انتهاء الفتوحات الاسلامية في غرب أوروبا.
وفي الوقت الحالي، يتم تداول هذا الرقم على نطاق واسع بين الجماعات اليمينية المتطرفة في العالم الغربي ويهدف الى ضرورة مكافحة أي شكل من أشكال الغزو الخارجي. أما في فرنسا، فقد تم الترويج له على يد اليميني المتطرف إريك زمور المرشح المحتمل لرئاسة فرنسا في الانتخابات الرئاسية السابقة ضمن ما يسمى «بنظرية الاستبدال الكبير» التي تدّعي الخوف من أن يتم استبدال الفرنسيين البيض بالمهاجرين من العرب والأفارقة أو اللاجئين من أي جنسية غير أوروبية من خلال الهجرة الجماعية أو بسبب تكاثر الأجانب السريع. السياق الذي ورد فيه الرقم 732 يجعلنا نتذكر شهر مارس 2019م عندما أطلق أحد أفراد الجماعات اليمينية المتطرفة النار على المصلين في مسجدين بمدينة كرايستشيرش جنوب نيوزيلندا ونقش على سلاحه عبارات عنصرية من أبرزها اسم شارل مارتل زعيم الفرنجة.
موضوع رواية «التهديد 732» هو الديموقراطية الهشة في فرنسا وأزمة الفكر السياسي والانتخابات الرئاسية الفرنسية التي يفوز فيها اليسار الراديكالي على اليمين المتطرف بفارق أصوات ضئيل جدا. انطلاقا من هذا الحدث السياسي ستجابه مارتين بوردا رئيسة الدولة الجديدة بالعديد من التحديات التي تقف حجر عثرة في طريق بسط سلطتها الشرعية، وبالتالي ستواجه حكومتها تهديدات متزايدة في أعقاب هذه النتائج خاصة عندما ترغب رئيسة الدولة في تطبيق برنامجها الانتخابي الإصلاحي الذي ينطوي على مبادئ منها التخلي عن البرنامج النووي الفرنسي وتقاسم مقعد فرنسا الدائم في مجلس الأمن مع الجارة الألمانية.
إن أدب الخيال السياسي الذي يميز هذا العمل الروائي ساهم في خلق نقاش سياسي حاد يدور حول الدور الذي تلعبه جماعة يمينية متطرفة تطلق على نفسها اسم «مارتل732» وتحاول تقويض الديمقراطية بمساعدة عدد قليل من الأشخاص الذين تسللوا إلى مؤسسات الدولة وأساؤوا استغلال صلاحيات وظائفهم بطريقة غير قانونية وتعمدوا الإضرار بمصالح فرنسا.
ستتحول فصول الرواية الى ساحة لمعارك كلامية بأدوات مؤسساتية وسيتم التمهيد لإعادة خلط أوراق اللعبة السياسية من خلال عنصري الإثارة والخيال السياسي اللذان يعتبران العمود الأساسي في هذا العمل الروائي «التهديد 732»والدعامة التي يرتكز عليها المؤلف عند حديثه عن الديمقراطية التي تتعرض لضغوط شديدة الوطأة مقارنة بأي فترة رئاسية مضت من قبل مجموعة يمينية متطرفة تستخدم الاسم الحركي «مارتل 732». تعمل هذه المجموعة من أصحاب المعتقدات اليمينية المتطرفة أو القومية البيضاء على زعزعة استقرار الدولة واشاعة الفوضى والتشويش على الانتقال الديمقراطي للسلطة من خلال تقسيم الشعب الى طوائف متناحرة. تتولى السيدة نينا مريم، المكلفة بإدارة الملف الأمني بحكم عملها في المديرية العامة للأمن الداخلي (DGSI)، التحقيق مع أعضاء هذه الجماعة المتطرفة التي تطلق على نفسها اسم «مارتل 732» وتحرض على التمييز والكراهية والعنف وطرد الأجانب من فرنسا.
في رواية «التهديد 732» يتناول المؤلف فريديريك بوتيي الكواليس الخلفية للانقلاب الذي يحرّض عليه جماعات اليمين المتطرف التي تتشكل من أفراد من القوات المسلحة الفرنسية ومن الطبقة السياسية الذين يرفضون نتيجة صناديق الاقتراع. ستقوم مجموعات أخرى يمينية بتنفيذ سلسلة من الأعمال التخريبية من أجل إضعاف السلطة. ستجري المؤامرة الكبرى داخل أروقة الدولة: في قصر ماتينيون مقر عمل رئيس الحكومة الفرنسية وفي قصر الإليزيه المقر الرسمي لرئيس جمهورية فرنسا وفي قصر لوكسمبورغ المقر الرسمي لمجلس الشيوخ الفرنسي وفي مقر المجلس الدستوري الفرنسي وفي مقر المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسي وفي مقر معهد الدراسات السياسية بباريس. سيناريوهات المشهد السياسي المشتعل عبر صفحات هذا العمل الروائي جعلت مؤلف رواية «التهديد 732» يطرح عددا من الأسئلة ويترك للقارئ مهمة الإجابة عليها: كيف يمكن لرئيس الأركان ولمديرة المخابرات الرد على هذا التهديد؟ هل يمكن الإطاحة بالديمقراطية من قبل من يفترض بهم حمايتها؟
تمنح رواية «التهديد 732» القارئ ثراء معرفيا بالواقع السياسي الصعب الذي تعيشه فرنسا بسبب تنامي خطر اليمين المتطرف بأجندته العنصرية التي ترتكز على خطاب الكراهية للأجنبي، كما أن هذه الرواية تجعل القارئ على يقين بأن الرهان الأساسي لحماية الديمقراطية وتحصينها ضد عبث العابثين مهما كانت توجهاتهم هو العمل ضمن مناخ سياسي صحي يتسم بالتعددية وقبول الآخر.
** **
د. أيمن منير - أكاديمي ومترجم مصري